منذ انطلاق “طوفان الأقصى” في الـ 7 أكتوبر، سارع القادة الغربيين عن التعبير على تضامنهم مع إسرائيل، وتحول البعض منهم إلى تبني خطوات عملية في تمويل ردة فعل إسرائيل اتجاه العملية التي أقدمت عليها المقاومة الفلسطينية، وتبرير الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، بتمييع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تشير إلى مبدأ “حق الدفاع عن النفس”.
وخصص بهذه المناسبة الرئيس الأمريكي بايدن موارد عسكرية ومالية ضخمة إلى جانب تسخير وسائل الإعلام لخدمة تزيف الوقائع في المنطقة، ولا يهمه في هذا أن تخرج مظاهرات في أنحاء أمريكا ترفع شعارات منددة للمجازر الإسرائيلية في غزة، كيف لا يدعم إسرائيل وهو صاحب مقولة “لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها”، ويقدم بذلك على إطلاق رصاصة الرحمة على “عملية السلام” الميتة أصلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل حل الدولتين.
ولا يبدو أن إصرار إسرائيل والأنظمة الغربية التي تدعمها على ضرورة الاستمرار في حربها الإجرامية ضد غزّة وسكانها المدنيين حتى إلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية والقضاء على الحركات والفصائل غاية هذه الدول وحدها، بل قد يكون لبعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية أيضا رغبة في ذلك، فبعض هذه الأنظمة تعيش منذ بدء عملية طوفان الأقصى، على أعصابها وهي تنتظر بفارغ الصبر إلى اليوم الذي تستيقظ فيه وتجد أن حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها “حماس” قد سُحقَت نهائياً.
ولعل ما يخيف هذه الأنظمة من انتصار المقاومة الفلسطينية، مرجعيتها الإسلامية التي تستمد منها قوّتها وشرعيتها، لأن في ذلك إشارة إلى أن هذه المرجعية، التي سعت الثورات المضادّة للقضاء على التعبيرات السياسية التي تستمد شرعيّتها منها، مازالت حية.
ويؤكد هذا الطرح ما يصدرُ عن بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب من تصريحات، تقتصر على الجانب الإنساني في قطاع غزة، ولا تشير بتاتًا إلى المقاومة الفلسطينية وحقها في مواصلة القتال ضد الاحتلال حتى تحرير أرضها واستعادة حقوقها، ولا تشير نهائيًا إلى حركة حماس، وهي الطرف الثاني في المعركة، بل بالعكس لم تخف بعض الدول على غرار الإمارات موقفها المناهض للمقاومة، بدءا من بياناتها التي أدانت عملية طوفان الأقصى، وليس انتهاء بتصريحات المندوبة الدائمة بالأمم المتحدة لدولة الإمارات، لانا نسيبة، التي قالت إن “حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا سكان غزة الذين يعانون أشد المعاناة”، مشددة على ضرورة إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة “من دون قيد أو شرط”بحسب تعبيرها.
حتى أن السلطة الفلسطينية المفروض أنها تمثل الشعب الفلسطيني لم تستطيع أن تتخذ قرار بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بالرغم من مجازر هذه الأخيرة المستمرة في غزة والضفة الغربية، كما لم تستجب للدعوات التي طالبت باتخاذ خطوات عملية لوقف جرائم الاحتلال، بل ذهبت قوى الأمن التابعة للسلطة أبعد من ذلك، إلى قمع التظاهرات التي خرجت في عدة مدن فلسطينية تندد بالعدوان وتؤيد المقاومة في غزة.
ولعل تباين المواقف العربية حول المقاومة الفلسطينية، يفتح باب أخر لاستمرار الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، وسبب أخر في ضعف القرار العربي الذي بدا واضحا بإعلان قوات الاحتلال غلق معبر رفح المصري مع القطاع، وعجز الأنظمة العربية عن إرغام الاحتلال على القبول بدخول المساعدات التي هدد بقصفها إلى قطاع غزة، إلا بعد وساطة من بايدن.
كل هذه الأسباب وغيرها، كانت ولا تزال السبب الرئيسي في استخفاف الأنظمة الغربية بدور الأنظمة العربية في التأثير على مصالح الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، مما يحفزها على تقديم دعم اللامحدود لإسرائيل لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة في حق الفلسطينيين.
وفي جانب أخر على الرغم من كل هذه التطورات الأخيرة في فلسطين، أحيَت مرة أخرى المقاومة عبر عملية “طوفان الأقصى” التلاحم بين مختلف الشعوب العربية والإسلامية، وعلى عودة القضية الفلسطينية للواجهة، باعتبارها القضية القادرة على توحيد وتعبئة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.