أفريقيامجتمع
أخر الأخبار

الإعدام يعيد تونس إلى المربع الأول.. جدل قانوني وحقوقي بعد الحكم على ناشط بـ”المنشورات الفيسبوكية”

ويرى مراقبون أن هذا الحكم يعيد النقاش حول جدوى استمرار المرسوم 54، الذي أثار منذ صدوره انتقادات واسعة لعدم انسجامه مع روح الدستور ومع التزامات تونس الدولية في مجال حرية التعبير..

أعاد صدور حكم بالإعدام ضد المواطن التونسي صابر شوشان، على خلفية منشورات نشرها على “فيسبوك”، الجدل الحاد حول مستقبل الحريات الفردية في تونس، وسط مخاوف من انزلاق البلاد نحو مرحلة جديدة من تكميم الأصوات المعارضة تحت غطاء قانوني.

فالحكم، الصادر عن المحكمة الابتدائية بنابل، لم يُنظر إليه كقضية جنائية معزولة، بل كرسالة سياسية موجهة لكل من يتجرأ على انتقاد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في سياق يتسم بتراجع منسوب الثقة بين السلطة والمجتمع المدني.

الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وصفت القرار بـ”الاغتيال القانوني للكلمة”، معتبرة أنه يفتح باب العودة إلى الممارسات القمعية التي عرفتها البلاد قبل الثورة.

وأشارت إلى أن المتهم، وهو عامل يومي وأب لثلاثة أطفال، لم يتجاوز حدود التعبير السلمي عن رأيه، لكن السلطات تعاملت مع منشوراته كتهديد لكيان الدولة، مستندة إلى فصول من المجلة الجزائية وإلى المرسوم 54، الذي أصبح في نظر المنظمات الحقوقية أداة لإسكات المعارضين أكثر من كونه وسيلة لتنظيم الفضاء الرقمي.

القضية بدأت حين أحالت النيابة العامة شوشان إلى قطب مكافحة الإرهاب، قبل أن تُعاد إلى محكمة نابل التي وجّهت إليه اتهامات خطيرة، من بينها “إتيان أمر موحش تجاه رئيس الجمهورية” و”محاولة تغيير هيئة الدولة”، وهي تهم كانت نادرة الاستخدام حتى في فترات أشد الأنظمة التونسية انغلاقًا.

ويرى مراقبون أن هذا الحكم يعيد النقاش حول جدوى استمرار المرسوم 54، الذي أثار منذ صدوره انتقادات واسعة لعدم انسجامه مع روح الدستور ومع التزامات تونس الدولية في مجال حرية التعبير.

فبينما تبرر السلطات استخدامه بضرورة التصدي للأخبار الزائفة والتحريض، يرى الحقوقيون أنه صار أداة لتكميم الأفواه وإعادة هندسة المجال العام بما يخدم السلطة التنفيذية.

ويُذكر أن تونس، رغم احتفاظها بعقوبة الإعدام في قوانينها، لم تنفذها منذ تسعينيات القرن الماضي، ما يجعل العودة إليها في قضايا الرأي خطوة مقلقة تنذر بانهيار مكتسبات الثورة.

وتعتبر منظمات المجتمع المدني أن هذا الحكم ليس مجرد تجاوز قانوني، بل مؤشر على تحوّل العدالة إلى ذراع سياسية تستخدمها السلطة لترهيب خصومها وإخضاع الفضاء الرقمي للرقابة.

في ختام المواقف، طالبت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بإلغاء الحكم وسحب المرسوم 54 أو تعديله بما يتوافق مع المعايير الدولية، داعية القوى المدنية إلى توحيد جهودها من أجل حماية ما تبقى من مكتسبات الحرية التي شكلت جوهر الحراك الثوري في تونس.

هذا الحكم، وإن بدا قانونيًا في ظاهره، يكشف عمق التحول الذي تعرفه تونس من “جمهورية الثورة” إلى “جمهورية الخوف المقنن”، حيث لم تعد الحرية تواجه بالمنع، بل تُقتل بنصوص قانونية.

ويُقرأ هذا الحدث كجرس إنذار لمستقبل الحريات في المنطقة المغاربية، إذ يعيد إلى الأذهان أن الثورات التي قامت باسم الكرامة يمكن أن تجهض باسم القانون.

https://anbaaexpress.ma/08f59

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى