إقتصادتقارير
أخر الأخبار

المملكة المغربية والرؤية الخضراء.. من أجل مونديال مستدام

أسئلة التمويل والمخاطر ورهان الإقلاع الاقتصادي

عبدالعالي الطاهري

كغيره من بلدان العالم التي حظيت بشرف تنظيم أكبر تظاهرة رياضية عالمية، نتحدث عن كأس العالم، فإن المغرب يجد نفسه امام تحدٍّ ورهان كبيرين، على العديد من المستويات، ليس أقلها البنيات التحتية الضخمة المواكبة والمستجيبة للمعايير الدولية، علاوةً على الشق التنظيمي وكذا حُزمة الاستثمارات الاقتصادية التي ستسبق التحضير لهذا الحدث العالمي، وقبل كل هذا وذاك مصادر التمويل وسؤال المخاطر (؟!).

إلى ذلك، فإن الإعداد والاستعداد للمونديال سيشكل فرصة لتمكين المغرب من مقومات إنجاح مخططه التنموي في بعده الشمولي المستدام، الذي يهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي عبر تعزيز قطاعات السياحة والتصنيع وجذب الاستثمارات الأجنبية.

في ذات السياق يُتوقَّع أن يؤثر التنظيم الثلاثي (المغرب-إسبانيا-البرتغال) لفعاليات كأس العالم 2030، بشكل إيجابي على سوق الشغل بالمملكة المغربية، من خلال استحداث ما بين 50 و80 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في قطاعات البناء والسياحة والنقل والخدمات، مما سيساعد في بلوغ هدف وصول البلاد إلى معدل نمو في حدود 6%، مع ما سيواكب ذلك على مستوى تقليص معدلات البطالة.

كما سيساعد تنظيم هذا الحدث العالمي في تحقيق العديد من الأهداف، التي سطرها المغرب، ليس أقلها وصول المملكة إلى هدف 16 ألف دولار كدخل الفرد من الناتج الإجمالي برسم العام 2035، مع توقع إضافة ما بين 1.5 وملياري دولار للمنظومة الاقتصادية المغربية.

الرؤية الخضراء والنقل المستدام

يستعد المغرب لتوفير أنظمة الحافلات الكهربائية، ضمن مساعيه لتبني نظام النقل العام المستدام، كمرحلة أولى من العاصمة الرباط، تمهيدًا لاستقبال زوار المملكة خلال فعاليات كأس العالم 2030، الذي تستضيفه أراضيها بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال.

وبحسب تقارير حكومية رسمية، فقد وقّعت الوكالة الكورية للتعاون الدولي “كيه أوه آي سي إيه” (KOICA)، اتفاقية مع مجلس مدينة الرباط، لإطلاق نظام نقل عام مستدام في العاصمة.

وأوضحت الوكالة الكورية، أن مشروع الحافلات الكهربائية في المغرب، الذي تموّله في العاصمة الرباط بتكلفة تبلغ نحو 13 مليون دولار أمريكي، سيُوفّر حافلات صديقة للبيئة، كما أنه سيُسهم في تعزيز الوعي بالنقل الأخضر.

ولفتت الوكالة، في بيان أصدرته بهذه المناسبة، إلى أن المبادرة ستستفيد -أيضًا- من الخبرة الكورية في مجال النقل المستدام، من خلال ضمان نجاح تطبيق الحلول المتقدمة، إذ من المقرر أن يستمر المشروع من عام 2025 إلى عام 2028.

كما وضع المغرب برنامجا لاستثمار 87 مليار درهم (8.7 مليارات دولار) في قطاع السكك الحديدية خلال السنوات القادمة، استعدادًا لذات التظاهرة العالمية.

المونديال وانتعاش السياحة

مع الرؤية المغربية الرامية إلى توسيع شبكة القطار السريع، سيتم رفع مستويات الإنتاجية، مع سهولة تنقل الأفراد بين محور يشكل أكثر من 70% من اقتصاد البلد (طنجة- القنيطرة- الرباط- الدار البيضاء- مراكش).

كما سيتم تسجيل زيادة جد ملحوظة فيما يخص العروض الفندقية من الغرف وتحسين الخدمات، مما يعني تدفق أكبر للسياح الأجانب، ما سيسمح بتوفير فرص أكبر للمستثمرين ورفع عائدات البلد من العملة الصعبة، الذي بلغ منذ سنتين 10 مليارات دولار في المغرب، مقابل -مثلا- 115 مليار دولار لدى الشريك الإسباني.

مع ضرورة التأكيد على أنَّ السياحة تعتبر أكثر مجال يمكّن البلدان من رفع حجم الاستثمارات الأجنبية الصغيرة، مثل المطاعم والخدمات، حيث إنه كلما ارتفع عدد السياح ارتفعت فرص خلق ثروة عبر الاستثمار الأجنبي.

كما سيساعد تنظيم مونديال 2030 المغرب، في تحقيق هدف استقطاب 26 مليون سائح، ورفع حركة المسافرين عبر مطارات الممكلة وما يتبعها من رواج اقتصادي.

وفي ذات الإطار تعتزم المملكة رفع الطاقة الاستيعابية للمطارات الموجودة في البلاد إلى 80 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2030، مقارنة برقم 38 مليونا المسجل حاليا.

سؤال التمويل

ولتحقيق عمليتي الأجرأة والتنزيل السليم والسلسة لهذه البرامج والمشاريع الواعدة والطموحة، يُطرَح سؤال مصادر التمويل والعائدات والمخاطر المحتملة.

بدايةً يظهر أن الاستثمار في الملاعب لا يتجاوز 1.5 مليار دولار، وهو رقم متواضع مقارنة بقطر أو روسيا أو البرازيل التي نظمت النسخ السابقة من المونديال، وهذا طبيعي لكون المغرب هو جزء/ طرف من ملف مشترك، ولا يتعلق الأمر بتنظيم فردي.

المونديال في ظل ميزانية الاستثمار

تُقارب ميزانية الاستثمار في المغرب 30 مليار دولار سنويًا، وسيتم تحويل جزء كبير من هذه الميزانية من أجل تطوير نُظم النقل والمرافق والخدمات في المدن المعنية بالمونديال ومحيطها.

في ذات الاتجاه يمكن للمغرب اعتماد حقوق التسمية، ودفع البنوك والشركات المغربية الكبيرة لتمويل جزء من تطوير الملاعب، عوضًا عن اللجوء لصندوق الإيداع والتدبير، الذراع المالية للدولة.

وإلى جانب الاستثمار العمومي، يبحث المغرب عن حلول تمويلية بديلة عبر القطاع الخاص والشركاء خاصة بلدان الخليج، أو بعض المؤسسات المانحة مثل البنك الإفريقي للتنمية.

مخاوف “مشروعة”

من بين أهم الأسئلة المفصلية التي تفرض نفسها بخصوص التزام المملكة المغربية بالشق المتعلق بها في تنظيم كأس العالم 2030، كيف يمكن أن يشكل المغرب استثناء عن قواعد أساسية ملاحظة خلال تجارب ماضية؟

إلى ذلك، وجبت الإشارة إلى أنَّ نسبة الاستثمار في المغرب تبلغ نحو 30% من الناتج المحلي، ورغم ذلك لا تجني البلاد سوى نقطة واحدة مئوية في النمو الاقتصادي نظير كل 10 نقاط مئوية من الاستثمار العمومي، بينما يصل معدل النمو في عدد من الدول الصاعدة إلى 7%، وإن كانت نسبة الاستثمار العمومي فيها تترواح بين 20% و22%.

مخاطر واردة

بخصوص المخاطر المحتملة، خاصة في مرحلة ما بعد تنظيم التظاهرات الرياضية العالمية الكبرى، فلنا في تجربة اليونان المثال الواضح والصريح، حيث دخلت البلاد في أزمة اقتصادية بعد تنظيم الأولمبياد في 2004 وما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن، وهو ما يدفعنا إلى القول إن المغرب قد يدخل مخاطرة كبيرة بتنظيمه كأس العالم 2030 ولو كطرف من بين ثلاث دول.

في ذات السياق، فإنَّ المعطيات الرقمية الخاصة بتنظيم كأس العالم ما زالت غائبة، خاصة حجم النفقات الخاصة ببناء الملاعب وتجهيزها والبنية التحتية والأمن والرعاية الصحية، وباقي الشروط المفروضة من قبل الفيفا، بالإضافة إلى المداخيل المخصصة لتغطية هذه النفقات.

كما لا يجب القفز على مُعطى غاية في الأهمية، وهو أنَّ المغرب يعيش صعوبات مالية منذ جائحة كورونا تزامنًا مع توالي سنوات الجفاف، علاوةً على أن البلاد لا تزال تعتمد في استثماراتها على الدين العام الداخلي والخارجي.

كما أن الرفع من حجم الاستثمارات سيرهن المغرب بديون جديدة، وأن التأثير على سوق العمل سيكون مؤقتًا ومرتبطًا بمرحلة بناء الملاعب وتحديث البنية التحتية، وليس بسبب الرفع من مستوى الإنتاج الزراعي وباقي القطاعات الأخرى، علاوة على أن زيادة عدد السياح لن تستمر بعد كأس العالم.

تحليلات مطمئِنة

يؤكد خبراء في الشأن المالي الحكومي، أن فاتورة المونديال قد تتجاوز 10 مليارات دولار، مما يفرض على المغرب التفكير في وسائل مبتكرة للتمويل مثل تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص.

وتبديدًا لهذه المخاوف، يجب التأكيد على أنَّ تكاليف التنظيم ليست آنية، بل هي استثمارات طويلة الأمد تسهم في تحويل المغرب إلى بلد صاعد في أفق سنة 2035.

كما أنَّ كل درهم يُنفق يمكن أن يخلق نشاطًا اقتصاديًا يعود بعائدات تعادل 2 إلى 3 أضعافه، لكن مع شرط وضرورة أن يتزامن ذلك مع وضع آليات لضمان عدم زيادة العجز المالي أو الديون الخارجية.

والأكيد أن هناك تجارب مغربية سابقة، شابتها مشاكل تتعلق بسوء التخطيط والفساد المالي والإداري، وهو ما يجب تفاديه عبر التركيز على الإصلاحات المؤسساتية، وضمان شفافية العقود المرتبطة بالتنظيم، وتحسين الإطار القانوني للاستثمار، كما ينبغي تطوير بنية تحتية رقمية وتنظيم فعاليات اقتصادية موازية لكأس العالم.

* خبير في الشؤون البيئية والتغيرات المناخية

https://anbaaexpress.ma/5zlo1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى