الدبلوماسي: أبوبكر اونيس الطويل
العمل الدبلوماسي في الخارج يختلف كثيرا عن الداخل فضلاً عن العمل الرسمي في السفارة، فعلى الدبلوماسي حضور مناسبات رسمية وغير رسمية ومجاملات ويفرض عليك عملك الدبلوماسي اقامة علاقات مع شخصيات سياسية وثقافية وصحفية واجتماعية للتعرف بشكل افضل عن الدولة المعتمد فيها وهذا يرتب عليك التزامات احياناً على حساب صحتك وراحتك فأنت مضطر للمجاملة الدبلوماسية والاجتماعية، ويقوم بذلك الدبلوماسي لاسيما عندما يكون رئيساً للبعثة بكل ترحاب وفرح فهو جزء من عمله الدبلوماسي الذي يتطلب حضور ومشاركة للتعريف بدولته في تلك الاوساط.
أيضاً العمل الدبلوماسي يختلف من دولة إلى اخرى غير انه يكتسي طبيعة خاصة في الدول العربية، فتقارب العادات العربية والتقاليد والروح الاجتماعية تجعلك تشعر وكأنك في بلدك وبين افراد مجتمعك فضلاً عن اللغة الواحدة والدين وهذه كلها تساعد على سرعة الاندماج في المجتمع.
ويعد المغرب البلد الذي عملت فيه اربع سنوات من أجمل البلدان لما له من خصائص وميزات قد تختلف عن عدد من الدول العربية والأجنبية الأخرى، فالمغرب مزيج بين الشرق والغرب مع الاحتفاظ بطابعه الاسلامي والاندلسي والعربي والامازيغي، حيث يوجد تنوع ثقافي تلمسه وتعيشه عندما تنتقل بين مدنه الغنية بالتراث الثقافي المادي واللامادي وكل مدينة تحتفظ بخصائصها عن المدن الأخرى، فضلاً عن الروح الطيبة والاخلاق الحميدة والتواضع الذي يميز الشعب المغربي ولذلك لا تجد أي مشكلة في الاندماج في المجتمع المغربي بل احيانا تشعر انك واحد منهم.
فالذي يميز الشعب المغربي الهدوء والتحدث بصوت منخفض والتفكير العميق وهنا يحظرني التشبيه مع المجتمعات الأسيوية في طريقة الحديث، فعندما تجلس مثلاً في مقهى بلكاد تسمع حديث الناس، وايضاً الذي شد اهتمامي حب المغاربة لبعضهم والقناعة بما اعطاه الله لهم وحب الخير لبعضهم وعدم تفشي ظاهرة الحقد والحسد فيما بينهم وهي قيم اجتماعية تربى عليها الشعب المغربي إنها تربية ملوك.
كما لمست وعشت حب المغاربة الكبير لليبيين وتكرارهم الدائم بأن هناك تشابهاً كبيرا بين الليبيين والمغاربة وهي حقيقة، فعدد مِن القبائل اللييية تعود اصولها إلى المغرب الساقية الحمراء ووادي الذهب، وايضاً الأدارسة الأشرف الليبيين الذين تعود اصولهم إلى الادارسة في مدينة فاس التي ينحدر منها الملك الراحل ادريس السنوسي وقد قام بزيارة قبور اجداده عام 1958.
ايضاً يلتقي المجتمع الليبي مع المغربي في عدد مِن التقاليد والعادات التي ترجع إما للعرب أو الأمازيغ بل أنني دائماً اقول بأن الكيماء المغربية هي نفس الكيماء اللييية مِن حب وكرم وتواضع وطيبة، برغم مِن المعاناة والصرعات والمحن التي مر بها الليبيون.
الشعب المغربي شعب يحب العمل ويعتبر العمل الشريف ليس عيباً، قد تراه يحمل شهادة عليا في مجال من المجالات ويخدم في مقهى بل يعتز ويفخر بهذه الوظيفة وهو ما يدعوك الى الاعجاب بهذا الشعب الذي يجسد قيمة القناعة في اجمل تجلياتها وصورها ومواقفها.
ايضاً الشعب المغربي شعب مثقف يحب الكتاب ولذلك هناك اقبال كبير مِن المغاربة على شراء الكتب ومعارض الكتاب، بل هناك ظاهرة جميلة تراها في شوارع المغرب تتمثل في بيع الكتب على الأرصفة الذي يعكس مدى حب المواطن المغربي للكتاب.
يأخذنا الحديث عن الجامعات المغربية فقد كانت لي فرصة حضور عدد من مناقشات اطروحات الدكتوراة لبعض الطلبة اللييين والذي استوقفني ليس النظام والتنظيم الذي تتصف بها الجامعات المغربية بل الروح الطيبة والتواضع الكبير والكفاءة العلمية التي يمتاز بها اساتذة الجامعات المغربية فهي تضم خيرة واكفء الأساتذة على المستوى العربي والعالمي خاصة في مجال القانون والعلوم السياسية بجميع فروعها.
تأتي جامعة القرويين التي زرتها وتقع في مدينة فاس مِن اعرق وأُقدِّم الجامعات العالمية، وتعتبر جامعة القرويين وفقاً لتصنيف منظمة اليونيسكو وتصنيفات كتاب غينيس للأرقام القياسية كأقدم مؤسسة علمية وأول جامعة منحت إجازة الطب في العالم وهي ما زالت تُدرَّس حتى الآن دون انقطاع، فضلاً عن جامعة محمد الخامس وجامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة سيدي محمد بن عبدالله في مدينة فاس وجامعة محمد الأول بمدينة وجدة وجامعة الأخوين في مدينة ايفران وجامعة طنجة وغيرها من الجامعات ذات الكفاءة العلمية التي تزخر بها المغرب.
تجولت في المتحف الوطني الذي يحتوي على الثرات المغربي وايضاً الثرات العالمي وقد شد اهتمامي وجود النقائش أو النقوش اللييية وهي محفوظة في المتحف الوطني المغربي التي كتب عليها مايلي (ظهرت النقائش الليبية في شمال افريقيا منذ حوالي ثلاثة الاف سنة وبقيت متداولة حتى الفترة الرومانية ) وتمثل الحضارة اللييية القديمة.
وفي مجال الكتاب تتربع المكتبة الوطنية المغربية على كرسي المكتبات والكتاب والثقافة فهي مكتبة تزخر بالالاف الكتب والمخطوطات في شتى المجالات وتعتبر معلم من معالم مدينة الرباط اضافة إلى المسرح الوطني الذي تقام فيه كل المناسبات الثقافية والوطنية والدولية وكان آخرها الاحتفال بيوم افريقيا.
المكتبة التي احببتها واصبحت مدمن عليها هي مكتبة الفكر في شارع علال الفاسي بوسط مدينة الرباط، فقد وجدت بها العديد من الكتب في شتى العلوم لا سيما السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية فضلاً عن مكتبات اخرى كنت اقوم بزيارتهم من حين الى آخر لمعرفة آخر الاصدارات.
برغم مِن سيطرت الصحف الالكترونية والأخبار السريعة في وسائل التواصل الاجتماعي الفيس والكس، فأن المواطن المغربي مازال يفضل الصحف الورقية واهمها العلم والصحراء والصباح والاخبار والمساء والأحداث المغربية والنهار المغربية وصدى المغرب العربي وغيرها مِن الصحف وهي صحف بين المستقلة والحزبية، وتجد المواطن المغربي كل صباح يشتري الصحف لمعرفة الأخبار ووجهات نظر كبار المحللين السياسيين.
يعشق الشعب المغربي الذهاب إلى الحدائق العامة والمنتزهات وتشتهر المغرب خاصة مدين.
* القائم باعمال السفارة الليبية بالمملكة المغربية السابق انتهت مهامه في نهاية 2024