آراءثقافة
أخر الأخبار

بلاهة السياسي المهرج.. أهون من تفاهة المثقف الزائف

إن خطأ السياسي الأبله يعطينا فكرة عن الظاهرة السياسوية، لكن المثقف الزائف يعطينا فكرة عن انحطاط الوعي العاجز عن التمييز..

إنها موضة قديمة تلك التي تتعلق بظاهرة التطاول على السياسي من قبل المثقف الزايف؛ نعم، وحده المثقف العضوي له حق توجيه النقد للسياسة والسياسي، لأن المثقف العضوي خائض في الشأن العام، مضحي، شجاع، وفي للمبدأ، على استقامة ابستيمولوجية وأيديولوجية، وليس زاحفا كالحرذون.

يتعلق الأمر بالسياسة حين تخرج من سلطة المفهمة، إنها منذ أثينا، هي بنت الفلسفة بامتياز. ولكن الفلسفة عبر تاريخ المغالطة فقدت هي الأخرى مناعتها حين خضعت للنظام التربوي، وكأنها شعبة لحفظ معلومات وليست تدريبا على التفكير الأسمى؛ هكذا تحولت إلى وثنية جديدة، وهكذا فقدت مناعتها ضد الدخيل التحت-منطقي، فباتت لغوا.

ومع ذلك، فإن الفلسفة التي أدرك روادها بأنها مقاومة للبلاهة، ستجد نفسها في مواجهة السياسة باعتبارها باتت فنا للبلاهة بامتياز؟ إن مزاعم بعض الدخلاء على الثقافة الاخرون من السياسة، بينما هم يمارسون أسوأ أنماط السياسة وأسمجها، يقدمون انتهازيتهم كقيمة فكرية وأخلاقية؛ هذا مع أن تحمل الفيلسوف لبلاهة السياسي هي أهون من تحمل انتهازية المثقف.

ولكي نحق الحق نتساءل: ما علاقة هذا الصنف من المكرو-ثقافويين بالثقافة؟ لنتذكر أن تعريف المثقف هو من ينخرط في الشأن العام وقضايا المجتمع، فإن اختار سكنى البرج المهجور، سكنى الاشباح والخفافيش، فهو خارج موضوعا عن سمت المثقف.

هؤلاء المثقفون الزائفون حقا، جاهلون بميلاد فكرة المثقف منذ إميل زولا، لكن اعتزال السياسة وخدعة الحياد هي موقف سياسي ماكر، لأن الجغرافيا السياسية اليوم لم تعد تسمح بالحياد الاكسيولوجي. إن كانت الفلسفة كما ذهب دولوز هي مقاومة البلاهة (la Bêtise)، فلماذا يبحث المثقف الزائف عن البلهى والمراهقين لتمرير المغالطة وتقمص التكرار؟ إن الفلسفة في نظري تحتاج إلى أكثر من قيد لصونها من الاختراق، فهي مقاومة للميكروـ غالطة، تلك المغالطة الخفية التي يمتطيها المثقف الزائف، وبها يلوث البيئة المفاهيمية بالكثير من المزاعم البلهاء.

إن خطأ السياسي الأبله يعطينا فكرة عن الظاهرة السياسوية، لكن المثقف الزائف يعطينا فكرة عن انحطاط الوعي العاجز عن التمييز، ليس بين الحقيقة والزيف، بل بين حامليهما. فالمثقف الزائف حالة ميكروبية تعيش على بقايا المفاهيم المتحولة، وتبحث عن ضحايا الوعي الشقي، واستغلال فجوة الأجيال في نوع من التاريخانية الزائفة والبيدوفليا الثقافية، ما يجعل تحقيق تاريخ الأفكار مهمة لا غنى عنها في الثقافة العربية، لتقويض ظاهرة الالعبان الفكراني.

إن التحليل النفسي لظاهرة التقمص تعفينا من عناء المثقف البارانوياني الزائف، فمعضلة العقل العربي لا تحل بالتكرار والسرقات الأدبية، فالتجاوز المطلوب ليس هو تجاوز صناع الافكار عبر التقمصات الرخوة واستهبال من خبروا تاريخ الأفكار، بل التجاوز المطلوب هو في ابتكار المفاهيم التي بها يكون الفيلسوف فيلسوفا حقيقيا وليس فيلسوفا شغيلة بتعبير نيتشه، وهو في ابتكار الأفكار على قاعدة الجعل البسيط للعلة، التي بها يكون المفكر مفكرا بالفعل، وفي تصحيح السياسة عبر مفهمتها الأصيلة.

إن أزمة العقل العربي اليوم لا تكمن فقط في أعراض التخلف البادي، بل في مغالطات المثقف الزائف الذي يلعب دور تاجر الأزمات.

https://anbaaexpress.ma/wq5tn

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى