في تحول استراتيجي يعزز استقلال القرار العسكري الإسباني، أعلن الجيش الإسباني عن بدء اعتماد أول برنامج برمجي محلي بالكامل لطائرات “يوروفايتر” القتالية من طرازي Tranche 2 وTranche 3، وهو ما يمثل خطوة نوعية في مسار تحديث القدرات القتالية الجوية الأوروبية.
القرار جاء في 17 سبتمبر الماضي بموافقة رئيس أركان سلاح الجو والفضاء، الفريق الجنرال فرانسيسكو براكو، الذي صادق على تحميل البرنامج الجديد المسمى 16B-CM-01 على أسطول مقاتلات C-16B Eurofighter، وذلك بعد نجاح مراحل التصميم والتجريب داخل المركز اللوجستي للأسلحة والتجارب (CLAEX) التابع للقوات الجوية.
هذا البرنامج، الذي استغرق تطويره أكثر من ثلاث سنوات، حسب تقرير اسباني، يشكل نقلة نوعية في قدرة إسبانيا على إدارة وصيانة وتطوير أنظمتها الجوية دون الاعتماد على الدعم الخارجي، ليضعها ضمن مجموعة محدودة من الدول التي تمتلك القدرة على دمج التعديلات البرمجية والمادية على طائراتها القتالية بشكل وطني كامل.
من أبرز التحسينات التي يقدمها البرنامج الجديد تحسين إدارة أنظمة المهام وتعزيز فعالية المقاتلة في القتال الجوي، خاصة من خلال التكامل المتقدم مع صاروخ “ميتيور” الأوروبي جو-جو الذي يعد من أكثر الأسلحة تطوراً في منظومة الدفاع الجوي الأوروبية.
وقد نجح البرنامج في رفع كفاءة التفاعل بين رادار الطائرة والبرمجيات التكتيكية، مما يسمح بتبادل أدق وأسرع للبيانات بين المستشعرات وأنظمة التسليح أثناء العمليات القتالية، وهو ما يرفع من معدل الإصابة والقدرة على التعامل مع أهداف متعددة في ظروف معقدة.
المرحلة التشغيلية الأولى للبرنامج نُفذت في القاعدة الجوية بمدينة ألباسيتي عبر وحدة القتال الجوية Ala 14، التي تولت اختبار النسخة المحدثة ميدانياً قبل التوصية بتعميمها على باقي الأسطول.
نتائج الاختبارات أكدت التفوق العملي للتحديث الجديد، سواء في مستوى الاستجابة التكتيكية أو في استقرار أنظمة الطيران أثناء المهمات عالية الكثافة.
ويرى مراقبون أن ما يميز هذه الخطوة ليس فقط بعدها التقني، بل أيضاً رمزيّتها السيادية، إذ تمنح مدريد استقلالية استراتيجية في تطوير أسلحتها الجوية بعيداً عن الاعتماد الكلي على شركات أجنبية، وهو ما يعزز مكانتها داخل منظومة الدفاع الأوروبية ويفتح المجال أمام تعاون صناعي جديد مع “إيرباص” التي تعمل حالياً على تطوير الجيل الرابع من “يوروفايتر”.
التحليل العسكري يؤكد أن البرنامج الجديد 16B-CM-01 لن يكون محطة نهائية، بل بداية لمسار تحديث متدرج ومستمر، حيث بدأ المركز اللوجستي فعلاً العمل على النسخة التالية أثناء مراحل الاختبار النهائية، في إشارة إلى رؤية إسبانية بعيدة المدى تهدف إلى بناء قاعدة تكنولوجية مستقلة في قطاع الطيران العسكري.
وعلى الصعيد العملي، سيتبع تنفيذ البرنامج مراحل توزيع وتحقق ميداني تشمل تدريباً متخصصاً للأطقم التقنية والطيارين لضمان الانتقال السلس إلى النسخة الجديدة.
تؤشر هذه الخطوة إلى رغبة إسبانيا في امتلاك أدواتها السيبرانية والعسكرية بقدر ما تعكس تحولا في الوعي الأوروبي تجاه مفهوم “السيادة التكنولوجية الدفاعية” وهو المفهوم الذي يتصاعد في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، من أوكرانيا إلى شرق المتوسط.




