آراءمنوعات
أخر الأخبار

قصة حب بياض ورياض (روميو وجولييت الأندلس)

سوف نتحدث عن مخطوط نادر يسمى "حديث بياض ورياض" يتناول المخطوط قصة حب عربية أصيلة لمؤلف مجهول، ويرجع تاريخ المخطوط إلى القرن (7هـ/ 13م)، أثناء الحكم العربي الإسلامي بالأندلس..

حقاً وصدقاً أنه لم تعرف البشرية، عبر تاريخها القديم أو الحديث، أمة غنية بإنتاجها المخطوط وشغوفة بالعلم والمعرفة، وحريصة على اقتناء الكتب مثلما عرفت أمة العرب.

سوف نتحدث عن مخطوط نادر يسمى “حديث بياض ورياض” يتناول المخطوط قصة حب عربية أصيلة لمؤلف مجهول، ويرجع تاريخ المخطوط إلى القرن (7هـ/ 13م)، أثناء الحكم العربي الإسلامي بالأندلس، تدور القصة حول بياض، ابن تاجر من دمشق، ورياض جارية من الأندلس.

سافر بياض مع أبيه للتجارة فصادف رياض وهي وصيفة سيدة نبيلة قرب النهر فوقع في حبها، وظهرت في القصة شخصية “العجوز” التي تقوم بمحاولات التقريب بينهما فأخذته العجوز تحت حمايتها وساعدت الطرفين في تلاقيهما، وتقع رياض في حب بياض كذلك.

وقد حاولت العجوز بعد ذلك أن تثني الشاب بياض عن هذا الحب لأن المرأة كانت وصيفة حاجب المفضلة، ورغم ذلك استطاع بياض أن يقنع العجوز بتسهيل لقاءه بالفتاة مرة ثانية ليعلن عن حبه لها.

لم تسمح الأعراف بجمع شملهما وتعرضا لصعوبات وعقبات، ولذا يهيمان (على صفحات المخطوطة المصورة الأندلسية) فى ظل أشجار قرطبة، وتحت أبراج قصورها، وعلى ضفاف نوافيرها، وبجوار نواعيرها، يدقان العود، ويغنيان اللوعة والحرقة والضنى أسفًا على وصال مستحيل. وفوق وأسفل مشاهد يحتشد فيها العاطفون وغلاظ القلوب وحملة رسائل الغرام والعذّال، تغرد سطور النص التي خُطت بالخط الأندلسي/المغربي ذي الحسن الخاص.

وتبادل المحبان الرسائل وهو ما أعطى القصة طابع العذرية والبراءة حيث حفلت الرسائل بينهما بتعابير الغزل الرفيع والحب المجرد. وبما أن المخطوط مبتور، فإننا نجهل بداية ونهاية القصة.

النص مكتوب نثرا وشعرا. النص النثري يقدم الإطار الذي تدور فيه الأحداث، ويضم مكونات القصة، بينما تصف الأبيات الشعرية العواطف الجيّاشة. وهذا الجمع بين النثر والشعر عرف بعد ذلك في كثير من أعمال أوربا المتزامنة مع هذه القصة، كمؤلف “أوكاسان و نيكوليت Aucassin de Nicolette” لمؤلف مجهول; وكتاب “جيوم دي دول Guillaume de Dole” لصاحبه (جون رينار Jean Renart).

كما نجد نفس هذه التشكيلة في أعمال التروبادور troubadours. ويتجلى التأثير في قصة روميو وجولييت.

والرسوم الواردة في المخطوط لها أهمية قصوى، إذ أن مشاهد المنمنمات تلك تصور جوانب عديدة من الحياة اليومية: ألبسة، عمارة، استعمال الماء، وتمثل لوحات هذا المخطوط قيمة فنية وأدبية رفيعة المستوى اشتملت على قصة الحب العفيفة التي وقعت بينهما، والمراسلات المتبادلة، والمؤامرات التي حيكت للتفريق بينهما.

ومن لوحات المخطوط صورة تمثل بياض مع النسوة في الدار وهن يعطينه خطاباً من رياض، وتشمل هذه الصورة على مميزات المدرسة العربية الأندلسية، ونرى فيها أن المصور لم يهتم بقواعد المنظور الهندسي ولم يحاول التعبير عن التجسيم ولم يعتن بالرسم الدقيق لجسم الإنسان.

كما أن المصور فى مخطوط بياض ورياض تظهر مقدرته على إظهار الاحاسيس والتعبيرات الحركية ، ويبدو ذلك فى تصوير “مجموعة من النساء فى مجلس طرب” لوحة رقم (1).

لوحة رقم (1)

أما لوحة رقم (2) تمثل إمرأة تعطي بياض رسالة تأتيه من رياض محبوبيه، ويرتدي بياض عباءة وعمامة علي رأسه ويجلس بقرب النهر ويوجد خلفه عمائر يغلب عليها الطابع الأندلسي. يوجد بجانب هذه العمائر شجرة رسمت بطريقة اصطلاحية. نلاحظ في هذه الصورة اختلاف ملامح الأشخاص عن غيرها المعاصرة في بلاد المشرق.

لوحة رقم (2)

لوحة أخرى (لوحة رقم 3) تمثل بياض يعزف علي عود ويتغنى بحبه ويرتدي عباءة واسعة وعمامة علي رأسه أيضاً وتجلس أمامه سيدة ربما تكون رياض، بجانبه خمسة أشخاص يستمعون ٳليه وبيد كل منهما كأس. خلفية الصورة عبارة عن شجرتين وبجانبهما عمائر غلبت عليهما الطابع الأندلسي.

لوحة رقم (3)

هذه لوحة أخرى (لوحة رقم 4) تمثل بياض وقد استلقى بلا وعي عند شاطئ النهر الذي تدور عليه ناعورة كبيرة.

لوحة رقم (4)

ومن المميزات الفنية لتصاوير هذا المخطوط أنها تجمع بين الواقعية في رسم بعض العناصر خاصة العناصر المعمارية والنباتية وفى ملامح الاشخاص واشكال أزيائهم الا انها تتسم في بعض الاحيان بعدم الواقعية خاصة في بعض الرسوم الآدمية التي تظهر أكبر حجما من العمائر التي رسمت الى جانبها ويظهر ذلك في رسم “شمول وهى تقدم رسالة الى بياض.

نقلت هذه القصة في مؤلفات عديدة، ككتاب أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، الذي يبدو أنه تم تداوله في الأندلس إذ أن الخليفة الحكم الثاني كان يمتلكه في خزانته الخاصة. ورغم أن هذه النسخة تكون قد أتلفت من طرف المنصور، فإن هذا المؤلف واصل انتشاره في الأندلس كما تدل على ذلك الأصداء التي وجدها عند الكتاب اللاحقين، كابن سعد مثلا.

إن قصة بياض ورياض تتقاسم نفس المواضيع مع بعض مؤلفات الأدب في شمال إفريقيا، كما في نموذج “قطب السرور في أوصاف الانبذة والخمور” لابن رقيق الذي عاش في القيروان في القرن 10 م. في هذا المؤلف، حاول كاتبه جمع خمريات عديدة وإعطاء بعض النصائح لترتيب المواعيد.

النقط المشتركة بين قصة بياض ورياض وبعض الأعمال الأخرى في العصر الوسيط المكتوبة في اسبانيا المسيحية واضحة للعيان.

https://anbaaexpress.ma/44o6y

د/ أنور محمود زناتي

أكاديمي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى