انشغلت السينما في مونتريال بقصة ولادة السلاح النووي ويوميات أوبنهايمر رأس المشروع العلمي. وفي الوقت الذي يدفع العرب مليارات الدولارات للتسلح من ميزانيات تئن تحت العجز ينقل لنا العلم معلومات مثيرة عن رحلة السلاح النووي على لسان أكبر خبير في الخطر النووي هو الأمريكي العسكري الاستراتيجي (لي بتلر LEE BUTLER).
والقرآن يعلمنا المبدأ مضاعفاً في آيتين: واسأل به خبيرا ولاينبئك مثل خبير ؟! ولمعرفة الخطر الذي يهدد الجنس البشري فسوف ننقل حيثيات المقابلة التي تمت مع الخبير النووي لي بتر؟ ففي المقابلة التي أجرتها مجلة الشبيجل الألمانية العدد 32 \ 98) مع الجنرال (لي بتلر LEE BUTLER ) قائد القوة النووية الأمريكية الضاربة السابق وجهت له سؤالاً حرجاً: جنرال (بتلر) كان من المحتمل إذا شمرت الحرب عن ساقها، أن تضغط باصبعك على الزر النووي؛ فتنطلق صواريخ الترسانة النووية الأمريكية بكامل طاقتها تدمر الأرض عشرات المرات؟
أجابهم وقد اعتدل في جلسته يعرِّف بنفسه: نعم بكل تأكيد! ربما أعلم ذلك أكثر من أي انسان آخر على وجه البسيطة!! كل مستقبلي وعملي العسكري كان مرتبطاً بالسلاح النووي.
كنت أُدَرِّس نظرية الردع النووي في أكاديمية القوى الجوية لطلابي كنت أحلق بالقاذفة B52 تحمل في أحشاءها الرؤوس النووية، مؤخراً كنت أنا من يقود الزحف النووي العالمي. تحت قيادتي كامل القوة النووية الاستراتيجية الأمريكية؛ القاذفات والصواريخ في البر والبحر. كنت اساهم في تطوير الرؤوس النووية.
وكنت أنا من يقرر كيفية استعمالها. أنا من جلس في مفاوضات التسلح أو مراقبة نزع التسلح. كنت أقدم خدماتي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية كخبير في الاسئلة النووية. وأريد أن أفيدكم أن كل خطط الهجوم النووي في حالة القيامة النووية كانت تحمل توقيعي.
كان الجنرال (لي بتلر) المشرف على خارطة للعالم تضم 12500 موقع يجب تدميرها نووياً يوم القيامة النووية، تصل الى أي نقطة بمدى ثلث ساعة، بخطأ لايتجاوز 15 متراً، منها خرائط تفصيلية لمسح مدن بالكامل!!
تابع الجنرال قوله: كان تصرفنا كالسكران في يده مسدس يلعب الروليت الروسية، هنا نهض الرجل وقلد حركة الروليت الروسية المعروفة (مسدس بحشوة واحدة في حجرة النار تحمل سبع طلقات تدار الحجرة عشوائيا ويضغط على الزناد مع فوهة المسدس إلى الصدغ؟) وعندما ضغط الزناد للمرة العاشرة نطق ببلاهة انظروا مازلت على قيد الحياة؟
أننا لم نكن نعي تماماً ما الذي سيحدث للكون في حال اندلاع الحريق النووي؟! كانت رحلة طويلة صرفت أمريكا خلالها ستة ملايين مليون دولار طورت مايزيد عن سبعين ألف رأس نووي بـ 116 نموذج محمولاً على ظهر (65) نموذج قذف صاروخي، بدءً من قنبلة هيروشيما ثم صعوداً (MAXIMIZING) بتطوير القنبلة الحرارية النووية (الهيدرجينية HYDROGEN – BOMB) بعيار فلكي من مستوى (ميجاطن) حتى وصلت جرعة التفجير في الستينات الى مايزيد عن قوة هيرشيما بثلاثة آلاف مرة! ثم تطوير الجيل الثالث (قنبلة النيوترون NEUTRON-BOMB) بتكثيف جرعة الاشعاع على حساب الضغط والحرارة فيقضى على البشر ويتم استلام المدن نظيفة، الى رحلة تصغير الحجم (MINIMIZING) فأنتجت قنابل صغيرة من أجزاء من قنبلة هيروشيما يمكن حشوها بالمدفعية.
ومن كرات التفاح الصغيرة هذه حمل الحلفاء في حرب الخليج الأخيرة مايقرب من 600 رأس نووي صغير، على ماروته مجلة (الشيفرة CODE) الألمانية!.
بجانب هذا مسحت خلال نصف قرن الماضي الجو الخارجي بتطوير نظام الساتلايت (الذي تحول الى شبكة الدشوش الزاحفة على سطوح المنازل) والبر من خلال تطوير نظام كمبيوتري (الانترنيت)، كما رسمت قيعان البحار بخرائط تفصيلية، من غواصات نووية مستخفية بالليل ساربة بالنهار، تحولت في النهاية الى خرائط (الكارتو جرافي CARTOGRAPHY) يستفيد منها صيادو الحيتان والاخطبوط، وتصمم بموجبها غواصات من نموذج (الطائر العميق الجيل الثاني DEEP-FLIGHT-II) تتحمل الضغط الى عمق 11000 أحد عشر ألف متر، ويكتشف في القاع عشرة آلاف مليار طن من مادة (الميتان المبللور CRISTALIZED METHAN) بطاقة تكاد لاتعرف النفاد، هذا عطاؤنا فامسك أو انفق بغير حساب؟
من الطريف بالذكر أن الجنرال (بتلر) اعترف أنه لم يجلسوا ليحسبوا على وجه الدقة ماذا سيكون وضع العالم، عندما يزحف الرؤوساء من المخابيء النووية بعد الحريق الأعظم، يخرجون من الأجداث الى سطح الأرض كأنهم جراد منتشر، مهطعين رؤوسهم يقولون هذا يوم عسر؟ كل مافعله الجنرال عندما سئل ماذا كتبت في اوراقك حيال قيامة قبل القيامة؟
قال كانت حسابات رياضية فقط عن كمية التدمير التي سوف تنزل على رؤوس البشر والمنشآت الحيوية. لا معلومات عن انقلاب المناخ وكسوف الشمس الطويل!!
لاخبر عن الحرائق التي تلتهم الغابات فتحيل الأرض الى جهنم تتلظى! لااحصاءات عن الاشعاعات التي ستفتك ببني آدم؟! لامخبر عن تقطيع كامل النسيج الحضاري؟! لم تكن تقاريرنا تتضمن كلمة واحدة عن كل هذا؟ أما السؤال عن الضحايا فكانوا يستعملون منطق الشيوعي (جوزيف ستالين JOSEF STALIN) مقتل انسان تراجيديا أما مقتل الملايين فهي مسألة احصائية ؟!.
على الرغم من تخصيص 35 مليار دولار في أمريكا لتطوير السلاح النووي في عام واحد يقرر (لي بتلر) الجنرال السابق والقائد الأعلى للزحف النووي يوم النبأ العظيم، ومدير الخطط الاستراتيجية النووية في البنتاجون، في القيادة العامة في اوماها (OMAHA) في نبراسكا (NEBRASKA) بكلمات مختصرة الحقيقة التالية:
(إننا نضيع الفرصة الثمينة لتطوير قواعد جديدة للأمن في العالم حيث لايوجد مكان للسلاح النووي ؟!).
هكذا كتب الرئيس ايزنهاور عام 1956 (يجب على الطرفين المهتمين بالحرب أن يجلسا في في يوم ما على طاولة المفاوضات وهما مقتنعان أن عصر التسلح قد انتهى وبأنه يتوجب على البشر الخضوع لهذ الحقيقة أو اختيار الموت)؟
وكررها جورباتشوف في كتابه البريسترويكا (أن غواصة نووية واحدة تحمل في أحشاءها من الطاقة النارية مالم يستخدم في كل الحرب العالمية الثانية) وبموجبها طرح فكرتي (الجلاسنوست والموراتوريوم = الانفتاح والتخلي عن القوة من طرف واحد) وأكدها الرأس العلمي في مشروع مانهاتن (روبرت اوبنهايمر) أول من اخترع السلاح النووي (كأن العالم على صورة عقربين تحت ناقوس زجاجي واحد يمارسان الانتحار المزدوج).
تحمل الحرب اليوم ستة مفارقات؛ ففي الحرب العالمية الثانية قتل الحلفاء 200 ألف انسان في مدينة (درسدن) الألمانية واليوم تحرص على أن لايجرح مدني واحد كما حصل في بلغراد في حرب البوسنة ؟ كانت تتفرج عليهم وهم يرقصون.
والحرب كانت تفاجيء الخصم بالسلاح الاستراتيجي واليوم لايستخدم مع توفره في أعجب مفارقة تاريخية.
وقنبلة النيوترون أخطر تطور للقوة كانت تريد استلام مدن نظيفة من الاناسي، والناتو اليوم يهدم المنشآت ويحافظ على البشر. وكان الخصم قديما يهدد غريمه بالزحف العرمرم ليأتينهم بجنود لاقبل لهم بها، والناتو اليوم يصرح للخصم أنه لن يرسل الجنود. وكانت الحرب كما ذكر توينبي المؤرخ (تسلية) الملوك يتفرجون على الأقران يتذابحون واليوم أصبحت الحكومات شعبية تخشى من سخط الجماهير فلا ترسل ابناءها قرابين للسياسية الا الدول خارج احداثيات العصر.
ويعتبر العسكري (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير) أن الحرب تحولت اليوم الى كائن خرافي مثل جوليفر في مدينة الأقزام بكائن شكله انساني ولكن طوله ووزنه بقدر ناطحة سحاب، يدب في شوارع لاتتحمل وطء أقدامه، لاتحدث الا في الاساطير. إنها تبدلات جذرية في صورة الحرب وتطور السلاح.
الباكستانيون ثملون اليوم بالخمر النووي، والعرب يرون في هذا التطور ظهيراً لهم في صراعهم مع جالوت النووي الجديد في المنطقة (اسرائيل)، والمسلمون استبشروا يهللون بولادة طفل نووي لهم. حين أعلن العالم عن ولادة قنبلة نووية اسلامية؟
ولكن السكر النووي خطير، والطفل الجديد قد يكون مشوها، ولم يكن للقنابل دين في يوم من الأيام؟ ومايحل مشكلة العرب اليوم أمام (جالوت) الجبار ظهور فتى صغير اسمه (داوود) يحمل في يده مرقاع وحجر.
السلاح النووي صنم، والتسلح خرافة تنتمي الى العهد القديم، والشعوب قوة لاتقهر والجيوش والانظمة سهل هزيمتها، والاسلحة المتطورة شرك لدولنا الفقيرة، والعالم ينتظر ولادة انسان الفكرة وتوديع أداة القهر، فنتعلم أن أفضل مايستخرج من الانسان باقناعه لا بتخويفه ؟!! …… وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها.. من كان له اذنان للسمع فليسمع.