آراء

أسرى الحلقات الصوفية وأصفاد الطغاة

منذ أن صادر البيت الأموي الحياة الراشدية، ساد حكم السيف، فخرّت له الجباه ساجدة، وتحول الحاكم إلى إله لا يُسأل عمّا يفعل، وهم يُسألون. أمّا زعماء العالم العربي وقياديوهم، فأصبحوا مثل شيوخ الطرق الصوفية، يبايعهم الدراويش إلى الأبد، أو مثل البابا في الفاتيكان إلى آخر الزمان دون استئذان. ومتى دخل المريد الحلقة، سلّم رقبته وعقله للشيخ، وتحرم أيّ معارضة، أو أيّ تساؤل، فالمريد إذا قال لشيخه: (لِمَ؟) لا يفلح.

نحن أسرى حلقات الصوفية، ولم ندخل العصر بعد والوعي مغيّب في إجازة مفتوحة، نحن أتباع البابا المعصوم إلى يوم الدين. إنّه قانون وجودي، فالبدن يشيخ، ويعتل، والليل يظلم ويعسعس، وينكمش القمر فيصبح كالعرجون القديم، وتمر أوقات عصيبة على الأمم، فتختفي من خارطة التاريخ.

والأمة العربية، اليوم، خارج الدورة الحضارية، أشبه بقطار خرج عن سكته، وتعرض لحادث مروع؛ فركّابه بين قتيل، وجريح، وغائب عن الوعي. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

ومع هذا، مشكلتنا ثقافية قبل أن تكون سياسية، وحجم المشكلات أكبر من الحكومات، وحلّها بالانقلابات العسكرية، مثل المريض المدنف في العناية المشددة، الذي يعالج بإجباره على المشي بقوة السلاح، وما هو ببالغه، كما حصل مع محمد أعبابو التعيس الذي قُتل، ثمّ قُتل، (قصة الانقلاب في المغرب) أو مع (أوفقير)، الذي كُتِبَ عنه مجموعة من الكتب، وهو الفقير في علم السياسة، فتلمّظ للعرش فسقط كما يسقط أيّ جرذ في المصيدة تجذبه رائحة الجبن المعفن.

وأكبر خطأ يقع فيه الناس حينما يحدّقون في قرارات السياسيين، في الوقت الذي ينتظر فيه السياسي ارتكاس المواطن في حلقة معيبة غير قابلة للانكسار.

والمشكلة أنّ السياسي حفيدُ المثقف المختبئ في الظل، وعندما يضم الوطن مثقفاً مدجناً، ومواطناً أمياً أعمى ، وسياسياً أطرش، وصحافة مرتزقة، وفقيه غائب عن العصر، فإنّ الوطن ينقلب إلى مصحة عقلية كبرى.

المجتمع العربي مركّب خطأً فوق خطأ، ظلمات بعضها فوق بعض. من القاعدة إلى القمة، ومن القيادة السياسية إلى معلم الصف، ومن المؤسسات المزوّرة، إلى وضع المرأة المهين؛ ولذا، فهو يخضع لقانون الفيزياء حينما تُوضَع المربعات فوق بعضها على نحو غير سليم، فقسم ينهار، وقسم يترجرج، أو تهوي به الريح في مكان سحيق.

وما يحدث من الانفجارات المروعة، في أفغانستان، أو الجزائر، أو العراق، ليس أكثر من عينات للمريض العربي نفسه التائه في الزمن التاريخي، من المحيط إلى المحيط. والدور جاهز لدولة بعد أخرى.

وهذا يضع تحدياً خطيراً لمريض يتخبطه الشيطان من المسّ، مثلما يفقد الدماغ السيطرة على الأعضاء؛ فكلّ عضو يتصرّف نشازاً، مثل انفراط عقد فرقة موسيقية تنتج ألحاناً نشازاً أقرب إلى حفلة تعذيب في قبو مخابرات.

وبطبيعة الحال، إنّ مواجهة وضع خطير حاد من هذا الشكل، لا ينفع فيه الحزن، أو جلد الذات، أو اليأس،بل يفرض مسؤولية من طبيعة خاصة، وهي، في علم الاجتماع، تتطلّب عملاً مشتركاً في مثلث من:
– تمليح المجتمع بالأفكار الصحية.
– وبناء المؤسسات الحيادية؛ أي: ما تسمى مراكز التفكير (Think – Tanks – Centers).
– وإنتاج الكم الحرج من الكفاءات البشرية.
فهذا هو مثلث الخلاص، ولكن بين العرب وهذا الإنجاز مسافة ثلاث سنوات ضوئية.

https://anbaaexpress.ma/zd4kr

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى