آراءسياسة
أخر الأخبار

من لبنان إلى سوريا.. نحو مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي

انتقال الأزمة إلى الجبهة السورية يعكس استمرار الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران وحلفائها

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، انتقلت إسرائيل للتعامل مع جبهة لبنان بنفس المنهجية التي اعتمدتها في غزة. وقف إطلاق النار هنا يعني خفض مستوى القتال مع إبقاء الجبهة مفتوحة، حيث تحتفظ إسرائيل بحق التحرك وتنفيذ عمليات وفقاً للمعلومات الاستخبارية. الهدف الإسرائيلي المعلن هو منع حزب الله من إعادة التموضع أو الانتشار في الجنوب اللبناني.

في المقابل، تسعى إسرائيل لدفع حزب الله إلى نقل ما تبقى من آلته العسكرية خارج الحدود اللبنانية وهو ما يزيد من سهولة استهدافها. خلال الأسابيع القادمة، ستعمل إسرائيل على تعزيز وجودها في مناطق واسعة من الجنوب اللبناني وتنفيذ عمليات حصار استخباري مكثف تحت ذريعة مراقبة التحركات الحدودية ومنع أي خروقات محتملة لاتفاق وقف إطلاق النار.

على الرغم من الهدوء النسبي في جبهة لبنان، فإن الأحداث تصاعدت سريعاً على الجبهة السورية، وهو ما سبق الإشارة إليه في مقال سابق. فالتوجه الأخير لبعض الفصائل المسلحة نحو مدينة حلب يعيد للأذهان احتمالية تحول الساحة السورية مجدداً إلى مسرح صراع مسلح.

هذه التطورات تشير إلى أن الجبهات السورية، اللبنانية، والعراقية مترابطة، ما يعني أن التصعيد قد يصبح أكثر حدة في الأيام المقبلة، وربما يمتد جغرافياً إلى مناطق أخرى داخل سوريا، خصوصاً تلك القريبة من الحدود العراقية. هذا الواقع المتغير قد يدفع الأطراف المختلفة إلى التحرك وإعادة التموضع، سعياً للحفاظ على مصالحها أو فرض معطيات جديدة على الأرض.

المشهد السوري اليوم يختلف جذرياً عن المراحل الأولى للأزمة، حين شهدت البلاد نشاطاً مكثفاً للفصائل المسلحة.

امتداد الأزمة لسنوات طويلة أدى إلى إنهاك الداخل السوري وإضعاف قدرة الجيش السوري على استعادة السيطرة على المناطق دون دعم حلفائه.

روسيا، أحد أبرز الحلفاء، تواجه تصعيداً مستمراً في الحرب الأوكرانية، مما يضعف قدرتها على التدخل بفاعلية في سوريا، خاصة مع بدء استهدافها مؤخراً بصواريخ دقيقة بعد الضوء الأخضر أمريكي. مما يعني أن الأولوية الروسية  في الوقت الحالي قد تتحدد بعدم الدخول في حرب استنزاف جديدة غير واضحة المعالم الأمر الذي سيجعل موسكو تُركز في الحفاظ على المناطق الاستراتيجية المهمة لروسيا في طرطوس، اللاذقية، والعاصمة دمشق ومحيطها.

إيران، بدورها، تواجه استنزافاً متزايداً بعد مرور عام على تصعيد الحرب من غزة إلى ساحات أخرى تشمل مواقع الحرس الثوري الإيراني وحلفائه. أما الأهم فهو حزب الله، الذي كان له الدور الأبرز في قلب موازين المواجهات على الأرض في سوريا، لكنه يعاني اليوم من تراجع قدراته بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، مما يحد من فعاليته العسكرية ويضعه في موقف استنزاف جديد.

أما الميليشيات العراقية التي انتقلت إلى الساحة السورية، فهي بدورها مرشحة لتكون هدفاً لهجمات من عدة أطراف.

المشهد في سوريا اليوم يشهد ظهور قوى متعددة تسعى لإعادة تعريف دورها وحضورها في مناطق مثل دير الزور، السويداء، القائم، والبوكمال، إضافة إلى المناطق الكردية التي قد تجد نفسها في مواجهة تصعيد جديد. الأكراد، الذين تعاملوا سابقاً مع تهديد داعش، قد يضطرون الآن للتحرك في مواجهة أطراف مختلفة في ظل معطيات جديدة تفرض نفسها على الأرض.

من اللافت أن التحركات العسكرية الأخيرة لا تقتصر على فصائل كـ”هيئة تحرير الشام” أو جبهة النصرة بشكل عام، بل تشمل عودة تنظيم داعش إلى مناطق مثل تدمر والجنوب السوري.

ورغم تعرض التنظيم لضربات موجعة مؤخراً من الجيش السوري والطيران الروسي، إلا أن التصعيد المستمر قد يدفعه للعودة بأساليب جديدة لفرض نفوذه في مناطق معينة، خاصة الجنوب السوري والبادية.

انتقال الأزمة إلى الجبهة السورية يعكس استمرار الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران وحلفائها. تصاعد الأحداث في سوريا يعني دخول المنطقة في منعطف جديد يختلف جذرياً عن طبيعة الصراع في غزة ولبنان، مع بروز لاعبين جدد يسعون لإعادة رسم الجغرافية وفرض واقع سياسي وأمني جديد.

أردنياً، يجد الأردن نفسه اليوم أمام استحقاقات أمنية معقدة، خاصة مع احتمالات انتقال المواجهات المباشرة إلى المناطق الحدودية المحاذية للحدود الشمالية والشرقية. استمرار الصراع وظهور أطراف جديدة في المناطق المحاذية للحدود الأردنية يعزز من احتمالات تصاعد رغبة استهداف هذه الحدود في الأيام القادمة في حال استمرار الصراع وتوسعه.

التعامل مع هذه التحديات يتطلب استراتيجية أمنية متكاملة تعتمد على منع أي خروقات حدودية بشكل استباقي، مع تعزيز مستوى التأهب الأمني.

الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع محاولات تفريغ الأزمة في الداخل الأردني يتطلب كذلك خطاباً حكومياً شفافاً يوضح حجم الخاطر المحيطة ويعزز الشعر الوطني ويرفع حس المسؤولية لدى الجميع في مرحلة قد تكون الأكثر حساسيةً ودقةً منذ سنوات، حيث تقف المنطقة برمتها على “رمال متحركة” قادرة على نقل الازمة وتفجيرها بشكل مفاجئ وفي أي مكان.

https://anbaaexpress.ma/zubpn

عامر السبايلة

خبير استراتيجي من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى