آراءسياسة

قراءة في مآلات الحرب في السودان

الأمر الخطير أن هذه الحرب المدمرة لا تظهر أي علامة على اقتراب نهايتها

بعد أن اجتاحت الاحتجاجات الشعبية عام 2018 المدن الكبرى في السودان بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية وانتشار الفقر والفساد والبطالة، ردّ جهاز الأمن الداخلي للبشير على الاحتجاجات بشكل مفرط، مما كان له أثر في تشجيع لهذه الاحتجاجات عوضا عن ردعها، بل دفع الكثيرين على المضي قدم نحو المطالبة ليس فقط بتحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين بل برحيل عمر البشير، الأمر الذي تحقق بتدخل الجيش السوداني في أبريل 2019 وأطاحوا بنظام عمر البشير بعد عقود في الحكم وأعلنوا حالة الطوارئ.

وعلى الرغم من تشكيل حكومة عسكرية انتقالية، استمرت المظاهرات للمطالبة بقيادة مدنية، وبوساطة من الاتحاد الأفريقي، تم التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة والتي أسفرت عن إدارة انتقالية عسكرية مدنية، ومع ذلك، استمرت التحديات، بما في ذلك محاولة الانقلاب الفاشلة في سبتمبر 2021 وبعد شهر، قاد القائد الأعلى في السودان، عبد الفتاح البرهان، انقلابا أخر للإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك، مما أدى إلى عرقلة التحول الديمقراطي في البلاد.

لتعود الاحتجاجات المدنية مجددا في أرجاء البلاد وتم قمعها بعنف، وشكلت بذلك بداية توترات بين قادة الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تحولت إلى حرب، وحولت على إثرها البلد إلى بقعة من الأزمات في كل مناحي الحياة، إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا.

هذا البلد الذي يحتل موقعا محوريا في القارة الأفريقية، ويتشارك في الحدود مع سبع دول هي مصر وليبيا شمالاً، وفي الشرق والجنوب الشرقي أريتريا وأثيوبيا وجنوباً دولة جنوب السودان وفي الغرب والجنوب الغربي دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، أصبح مدمرا.

ويدور القتال بشكل رئيسي بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، ونتج عن عدم قدرة أي من الطرفين حسم القتال لصالحه، تكثيف القصف العشوائي المتبادل، مما خلّف نحو ما يزيد عن 16 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة. وبحكم أن المؤثرون الأساسيون في الحرب، في العادة لا تطولهم الحروب أو تطول عائلاتهم وممتلكاتهم بضرر أو بسوء، فهم يستغلون هذه النقطة في إدارة الحرب لتحقيق مآربهم الخاصة ولو على حساب تدمير البلد، وذلك عوض البحث عن إيجاد حل نهائي لوقف الحرب.

الأمر الخطير أن هذه الحرب المدمرة لا تظهر أي علامة على اقتراب نهايتها رغم سعي أطراف دولية وإقليمية لتكريس عملية مصالحة تنتهي باستمرار عملية الانتقال السياسي ونقل السلطة إلى المدنيين، بل تسببت في أزمة إنسانية بحجم غير مسبوق.

وحرب السودان هي أيضا دوامة من الصراعات العابرة للحدود الوطنية والمنافسات العالمية التي تهدد بإشعال النار في المنطقة ، وتشكل الدول المجاورة الأشد تأثراً بالحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع، على عدة مستويات، منها ما يتعلق بحركة النزوح واللجوء إليها، وتعطيل التجارة وتنامي المخاطر الأمنية العابرة للحدود، خصوصاً أن استمرار انزلاق السودان إلى الفوضى يمهد الطريق أمام عودة التنظيمات المتطرفة، وعلى اعتبار أنّ جميع تلك الدول، عدا عن مصر، تملك قدرات عسكرية محدودة.

على العموم يبقى التساؤل المطروح حول فاعلية قرارات مجلس الأمن الداعية لوقف الأعمال العدائية في السودان، وجدية الدول الغربية في تعاملها مع الأزمة السودانية، خاصة أن هذه الدول تتمتع بنفوذ واضح داخل أطراف النزاع يتيح لها إمكانية لعب دور إيجابي ومؤثر في إيقاف الحرب، عوض الضغوط اللفظيًة التي تُمارَسها مما أضعف فاعليتها وقلل من تأثيرها.

https://anbaaexpress.ma/gtncu

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى