احتضنت قاعة الندوات بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بمدينة العيون، أشغال اليوم الثاني من ندوة وطنية حول موضوع “رهانات الدولة الاجتماعية بالأقاليم الجنوبية”، لبحث وتشخيص السياسات والاستراتيجيات الاجتماعية في المغرب وتناول النموذج التنموي الجديد الموجه للأقاليم الجنوبية.
وقد جاء تنظيم هذه الندوة استجابة لمطالب الباحثين والفاعلين المدنيين لتقديم تصورات أكاديمية وعلمية حول تقييمهم ودراستهم لتطلعات الساكنة بالصحراء المغربية وبحث المنجز على المستوى الاجتماعي، ورصد نقاط القوة والضعف في السياسات الحكومية الموجهة لسد الثغرات في برامج القطاعات الحكومية المختلفة لضمان المواطنين بالأقاليم الجنوبية.
إن إحداث أي نقلة نوعية في إطار السياسات الاجتماعية، لا بد أن يأتي مسبوقا بعملية تقييمية عميقة للوقوف على النواقص والممارسات الفضلى سواء تعلق الامر بالجنوح للتصويب والتقويم أو تكريس وتعزيز النقاط الإيجابية وتطويرها، ويأتي تنظيم هذه الندوة الوطنية لوضع جرد حقيقي لما أنجز في المجال الاجتماعي في أقاليم الصحراء.
وفي هذا الإطار، شاركت الدكتورة مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية بمداخلة موسومة بـ “التشخيص الاقتصادي والاجتماعي بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية وتحليل واقع التنمية البشرية”، موضحة أن تنظيم هذا اللقاء الأكاديمي يعد سانحة مهمة لتدشين نقاش عمومي حول ورش التنمية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد وبخاصة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما يترجم التزام المغرب بترقية وتكريس تنمية شاملة ومستدامة على أرض الواقع وإبراز النمو الاقتصادي المتصاعد بمنطقتنا بهدف ضمان الوصول الامن الى الحقوق وتحقيق عدالة اجتماعية بين مختلف جهات المغرب.
وعرجت الدكتورة مينة لغزال على التحديات التي تعوق تنمية منطقة الصحراء، من قبيل الاكراهات الأيكولوجية، بتموقعها في محيطات ايكولوجية هشة، موزعة بين مجال واحي بالشمال ومحيط سهبي في الوسط وشساعة المجال الصحراوي بالجنوب، بالإضافة الى ندرة في الموارد الطبيعية وخطر زحف التصحر، ناهيك عن مخلفات واثار الفترة الاستعمارية المتسمة بغياب شامل للمؤسسات والبنيات التحتية الضرورية.
وأوضحت منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أنه لمواجهة هذه التحديات جندت الدولة كافة الفاعلين الحكوميين والمؤسساتيين بتعاون مع الفاعلين المدنيين بهدف محو الفوارق في التنمية وإرساء عدالة اجتماعية مجالية بين الجهات، وهو ما يؤكده الارتفاع المسجل في المؤشرات الخاصة بالنمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
ووفق تشخيص ميداني للهيئة التي تمثلها المتحدثة، يظهر جليا من خلال احصائيات بسطتها في مداخلتها تتعلق بالانتقال القوي من حياة البداوة الى نمط عيش مستقر بالأقاليم الجنوبية، حيث اقرت أن ٪ 93.8 من الأسر الصحراوية تتوفر على خدمة التزويد بالكهرباء مقابل ٪91.9 كمعدل على الصعيد الوطني، وكذلك الشأن بالنسبة لخدمة التزويد بالماء الصالح للشرب.
ويتجلى أيضا هذا الالتزام الحكومي بتطوير الأقاليم الجنوبية في دعم الحق في التعليق وإنجاز البنيات الضرورية للتمتع بالولوج الى تعليم ذا جودة، حيث أبرزت الدكتورة لغزال أن المعدل العام للتمدرس بأقاليم الصحراء لدى الفترة العمرية بين 6 و22 سنة، من ٪ 76.4سنة 2004 إلى ٪ 81.8 سنة 2014.
وأضافت المتدخلة أن معدلات التمدرس في الأقاليم الجنوبية ارتفعت بشكل ملحوظ، خاصة في السلكين الابتدائي والإعدادي، حيث وصلت نسبة التحصيل الدراسي في التعليم الابتدائي % 94 وهي الأعلى من بين اثني عشر أكاديمية جهوية في المغرب.
إن المجهودات المبذولة في قطاع التعليم والتكوين، لا يمكن قياسها بالمنجز على الصعيد الوطني، نظرا للتوجه الحكومي القوي الرامي الى خلق تنمية عميقة للمنطقة، حيث أشر اعتماد نموذج تنموي جديد للأقاليم الجنوبية على برمجة وإنجاز مشاريع استراتيجية ومهيكلة للمنطقة ووضعها في مصاف المناطق أكثر تقدما وتأهيلا حضريا، حيث أنجزت مشاريع كبرى كالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية الذي يشمل تكوينات في الطاقات المتجددة والصناعة التقليدية والتأهيل في الميدان الزراعي ومعهدين للتكوين في المهن الطبية وشبه الطبية ومعهد تكوين المدرسين، وإحداث مدينة المهن والكفاءات وتمويل المعهد الأفريقي للبحث في الزراعة المستدامة من المكتب الشريف للفوسفاط، والتابع جامعة محمد السادس.
وخلصت المتحدثة الى أن مطلب إحداث جامعة بالمنطقة ما زال من بين التطلعات التي تشغل بال الكثيرين، غير أن المؤشرات والمجهودات المبذولة في إحداث نقلة نوعية في مجال التعليم العالي، تؤكد بلا شك هذا التوجه الثابت الخطى نحو إقلاع حقيقي لتثبيت دعائم تعليم ذا جودة وبيئة حاضنة للعلم والبحث والابتكار والجذب، وهو ما يترجمه انجاز كلية للطب والصيدلة ومستشفى جامعي مرافق ومدارس عليا للتكنولوجيا وطلية للشريعة والاقتصاد ومراكز تحضير للمدارس العليا للمهندسين.
وخلصت منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية الى أن النموذج التنموي الجديد المخصص للأقاليم الجنوبية، غير المشهد كلية وساهم في التطور الاجتماعي والاقتصادي الحاصل غير المسبوق، لاستناده على مرجعية حقوقية تنهل من أولوية ضمان الولوج الامن والمستدام للحقــــوق الاقتصــــادية والاجتماعيــــة والثقافيــــة المنصــــوص عليهــــا في دســــتور المملكة المغربية المعدل لسنة 2011.