2/ أهم ما تشير إليه في السياق العام للآيات من إدارة الدولة هو منظومة الاقتصاد الوطني – وزارة المالية أو بيت المال أو البنوك المركزية للدولة أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وارتباطه بالاقتصاد العالمي – ومعافاة أي دولة يكمن في استقرارها الإقتصادي عصب الحياة، ومتى ما استقر استقر نظام الحكم؛ فهما متصلان ببعض ومن ثم الأمن القومي للدولة؛ هذه قضية من الأهمية بمكان.
3/ القضية الثانية ههنا تبعاً للسياق الفائت؛ هي قضية حسن إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمياه ومنظومة العمل الاقتصادي الحر للقطاعين العام والخاص لتقوية الاقتصاد المحلي وتفعيل اتفاقات الدولة مع نظيراتها؛ مما يخلق منظومة متكاملة لإدارة الدولة بتحقيق العدالة والتنمية للثروة والسلطة.
لاحظ معي في قضية الاقتصاد تحدد الآيات القرآنية أو الدولة لعصب هذا الإقتصاد وهو الإنتاج الزراعي الذي يدخل مباشرة في حياة الإنسان كدورة حياتية لا غنى ولا فكاك عنها وإلَّا نهاية محتومة للبشر.
الإرتباط المباشر بين الناس وبين الزراعة بكل مشتقاتها المعروفة والجديدة ثم الصناعة والاستثمار والحرف والمهن والتعدين والطاقة ومصادر الطاقة البديلة والموارد البشرية والطبيعية والمياه ومنظومة العمل الاقتصادي وهلم جرا؛ هي عملية حسن التدوير والتصريف للناتج المحلي والاقليمي والعالمي بحيث لا تخلق فجوة غذائية أو عطالة أو تضخم أو بطالة أو توقف لعجلة الإنتاج في أي موقع كان؛ وهذه بالتحديد التي رشَّح يوسف النبي نفسه لإدارتها؛ وقد أفلح أيَّما فلاحة في الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني؛ وهنا أشير لمركزية يوسف في الحكمة الحكيمة ودقَّة التصرف وروعة الأداء للنظام الحكومي والخاص لتقوية الاقتصاد المحلي وشوكة الدولة عبر قيمة الصبر على المكاره في سبيل تحقيق المستحيل وهي تربية وتوفيق من الله له موضع الاقتداء والاحتذاء من الناس مع حسن النية بلا شك.
4/ تأويل السبع بقرات سمان كن مواسم هطول الأمطار الغزيرة على الأرض الجرز؛ وتأويل السبع سنبلات خضر كن منظومة متكاملة للزراعة والثروة الطبيعية فإذا اختل ميزان الزراعة اختل بطبيعة الحال ميزان الإقتصاد بسوء التصرف وعدم أخذ الأمور بجدية مما يعني خلق الفجوة الغذائية بلا شك وهذا ما لا يحمد عقباه.
5/ عدم إخلال الموازين في الدورة الزراعية يخلق سِمْتَاً عالياً من هرمونية الإقتصاد القوي للدولة ويوفر ناتجاً محلياً ومخزوناً استراتيجياً للدولة يحفظ به الإستقرار السياسي والأمني بتلازم الحال؛ ولك أن تلاحظ سيرورة هذه الفكرة منذ قديم الزمان وإلى يومنا الحالي.
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون وتعني إعادة الدورة الطبيعية للزراعة والثروة الاقتصادية ارتباطاً بأسباب السماء والأرض من حسن التصرف وذكاء المتصرف وهو هناك يوسف وهنا مؤسسات الدولة الحديثة.
شهادة البراءة
آنفاً؛ ذكرت تداعيات الأزمة التي حدثت في بيت عزيز مصر؛ من إلصاق التهم جزافاً وبموجبها تم سجن يوسف النبي؛ الآن وبعد تداعيات الأحداث إسقاطاً على واقع الحال اليوم فيعني هذا عملياً تغيير القوانين والتشريعات التي تركت سابقاً كقضية سياسية إجتماعية على مستوى سيادة الدولة تمس كبار رجالات البلد؛ وإصرار يوسف النبي للحصول على التبرئة لا فضلاً ولا شكوراً بل حقاً وعَنوةً واقتداراً ليمثل قاعدة ذهبية في المقام الأول وهي النزاهة والشفافية الواجبة على القيادات السياسية والأمنية والشرطية وما يتبع التي اخترقها يوسف ويخترقها اليوم المجتمع المدني الحر الديمقراطي بموجب إرساء دعائم قانون الشفافية والنزاهة والمحاسبة والمعاقبة والمراقبة الإدارية على منافذ ومفاصل الدولة وسلطانها الأعلى إسقاطاً على كافة المستويات في الدولة الحديثة من الشعب.
بطبيعة الحال؛ تعني من جملة المعاني إبعاد مفهوم الخيانة العظمى والجريمة المنظمة من المستويين الرئاسي والشعبي حتى يسير الجميع على جادة الطريق والحق والخير والفضيلة.
هنا يحضرني مركزية يوسف الشخصية في الدقة الدقيقة والإحكام النافذ لمراده من طبيعة سلوكه ونيلها بالصبر والمصابرة ما تحيل الواقعة أو الأزمة إلى قانون دستوري وقاعدة ذهبية مما يعني بُعد النظر لباطن الأشياء والأحياء والتي نصطلح عليها اليوم بالتخطيط الإستراتيجي بعيد المدى وحل قضايا حسَّاسة جداً في السلوك المجتمعي على المدى البعيد.
كيفية إدارة الدولة الحديثة
أرسى يوسف النبي دعائم ومفهوم كيفية إدارة الدولة القديمة والقائمة الآن بجملة من القواعد القانونية اللازمة والنظم المؤسسية لبناء الدولة والمجتمع المدني ويمكن تلخيصها في الآتي:
1/ {إنك اليوم لدينا مكين أمين} وهي خاصية التمكين السياسي لأعلى مستويات الحكم في النظام القائم؛ وتعني من جملة ما تعني بناء الدستور الجديد المنظم لحركة الدولة في كل المستويات والمسميات أي برلمان منتخب من الشعب بعد ترشيح وتزكية من أعلى مستوى لأدنى مستوى بالمملكة آنذاك.
بمعنى ثالث؛ وضعيته السلطوية للحكم مكَّنته من معرفة كيفية إتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياتية وكل المسميات المعروفة وتنفيذها على أرض الواقع في الزمان والمكان المناسبين؛ وهذه من الأهمية بمكان بلا شك.
2/ {اجعلني على خزائن الأرض}؛ بالنسبة للبند أعلاه؛ رغم كل تلك الصلاحيات الدستورية العليا إلَّا أنها ناقصة؛ وهذا النقص لا في اتخاذ القرارات المناسبة بل في مواطن تنفيذها وإعمالها على حياة الناس؛ وهنا تجد يوسف النبي / مفاصل الدولة الحديثة / تمَكَّن في أمرين اثنين غاية الأهمية؛ هما: خزائن الأرض وطبقات الشعب؛ لذلك كان أول طلب مباشر لرئيس الدولة أو الملك آنذاك هو التمكين عملياً من مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة حتى يطبق عليها الحق والخير والقانون والعدالة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وهلم جرا؛ فهذا من الذكاء الفطري والتحقيق للطموح لا الشخصي بل لترسيخ مفاهيم كيفية إدارة الدولة مع كل ملفاتها داخلياً وخارجياً؛ ويمكن ملاحظة ذلك بالمرتكز الذاتي للنبي يوسف في الحلم والأناة اللذين يمتاز بهما من غيره من الناس.
3/ خزائن الأرض؛ ببداهة بسيطة للغاية تعني: الموارد الطبيعية في باطن الأرض من معادن وزراعة ورعي وثروة حيوانية وما إلى ذلك؛ وظاهرها من حجم المياه وتوظيفها للزراعة والري في كل ما يلتمسه البشر آنذاك ومفهوم اليوم لاستغلال الموارد الطبيعية؛ وهذا بعد نظر وتخطيط استراتيجي عميق لأبعد ما يتصوره العقل الحادث آنذاك والعقل الحادث اليوم.
بمعنى؛ حسن توظيف واستغلال النفوذ والسلطة ومقاليد الحكم إيجابياً في تحسين بناء الدولة بما ينفع الشعب والشعوب المجاورة بما يسمَّى فائض الإنتاج للتصدير وتقوية شوكة الدولة داخلياً وخارجياً وبالتحديد المؤسسة العسكرية إذ قاتل الهكسوس في تخوم مصر الشمالية والشرقية دفاعاً عن الدولة.
يتبع