د. خالد خالص
في الوقت الذي يكثف فيه المغرب إشارات الانفتاح تجاه الجزائر وسكان تندوف الصحراويين، تثير احتمالات إعادة فتح الحدود آمالا كبيرة، ولكن أيضا مخاوف حقيقية. فبين دبلوماسية المصالحة ومتطلبات الأمن القومي، يسير المغرب على خيط رفيع محفوف بالتحديات.
تظل شمال أفريقيا إحدى المناطق القليلة التي ما زالت الجغرافيا فيها تشكل مجالا دائما للتوتر. فالحدود المغربية-الجزائرية، الممتدة على مسافة تقارب 1,427 كيلومترا، تجسد منذ أكثر من ستين عاما حالة الريبة والتنافس بين قوتين إقليميتين تجمع بينهما أواصر كثيرة.. إلا التاريخ.
فمنذ استقلال الجزائر سنة 1962، شهدت العلاقات الثنائية سلسلة من الأزمات: حرب الرمال (1963)، المسيرة الخضراء (1975)، طرد أكثر من 45,000 مغربي مقيم في الجزائر في العام نفسه، ثم إغلاق الحدود البرية عام 1994 إثر ما عرف بـ «قضية فندق أطلس آسني».
أضف إلى ذلك انقطاع المبادلات الاقتصادية، وإغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية في 22 سبتمبر 2021، ثم وقف أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي في 31 أكتوبر من العام ذاته، فضلا عن الشكوك المستمرة المرتبطة بقضية الصحراء المغربية ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو.
ومع ذلك، جاء في 31 أكتوبر 2025 مؤشر مزدوج على التهدئة من نيويورك والرباط معا. فقد اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2797 الذي مدد ولاية بعثة المينورسو بمدة سنة أخرى، وأكد على وجاهة المقترح المغربي بمنح الصحراء حكما ذاتيا.
وفي اليوم نفسه، وجه الملك محمد السادس، في خطاب مهيب، دعوة إلى الصحراويين «المحتجزين» في مخيمات تندوف للعودة إلى الوطن الأم، ومد يده إلى الجزائر في روح من المصالحة تقوم على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب“.
وبغض النظر عن ردود فعل الجزائر، التي انسحبت من التصويت – وجبهة البوليزاريو التي تغرد خارج السرب، وحتى لو عاد الاثنان الى الصواب، فإن هذا الأفق الواعد لا ينبغي أن يغفل المخاطر الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تنجم عن فتحٍ متسرع للحدود بالنسبة للمملكة المغربية.
فهناك ما بين خمسين ومائة ألف نفر يعيشون منذ عقود في مخيمات تندوف، بعضهم ولد على الأراضي الجزائرية ولا يعرف أدنى شيء من مغربيته، وآخرون ينحدرون من موريتانيا أو مالي أو غيرهما ليبقى إدماجهم، إداريا واجتماعيا وهوياتيا، تحديا كبيرا للدولة المغربية الصاعدة والمنخرطة أصلا في ورش واسع للتنمية يشمل كامل التراب الوطني بما فيه الأقاليم الجنوبية.
ويضاف إلى ذلك تحد آخر يتمثل في احتمال تدفق عشرات الالاف من المواطنين الجزائريين نحو المغرب.
فالجزائر تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، تتجلى في تدهور الدينار، وارتفاع معدلات البطالة، وهشاشة الوضع السياسي وتأزم الحالة الاجتماعية وندرة المواد الاساسية.
وفي مثل هذا السياق، قد يجعل إعادة فتح الحدود من المغرب وجهة جذابة للهجرة، بما لذلك من انعكاسات على التشغيل والأمن والتوازنات الداخلية.
إن الواقعية الاستراتيجية تفرض الحذر والتدرج. فسياسة الانفتاح المتحكم فيها – القائمة على آليات مراقبة صارمة، وممرات إنسانية منظمة، وتعاون أمني وثيق – يمكن أن تتيح تجنب الانزلاقات، مع تعزيز الانفراج الدبلوماسي في آن واحد.
فالسلم لا يعلن بمجرد مرسوم، بل يبنى بحذر، خطوة بخطوة، على أساس وضوح المصالح المشتركة وإدراك مواطن الهشاشة المتبادلة.
ويبقى فتح الحدود، سواء أمام سكان تندوف أو المواطنين الجزائريين رهانا لا يخلو من المخاطر إذ أن نجاحه يقتضي رؤيةً متبصّرة تُوازن بين الطموح في التقارب والحاجة إلى حماية الأمن والاستقرار الداخلي.
*محامٍ بهيئة الرباط




