أفريقيامجتمع
أخر الأخبار

عاصفة في أنجمينا.. عندما أشعل تصريح وزير غضب المدافعين عن لغة الضاد

الشيماء عبدالرحمن

في قلب تشاد، حيث تتشابك الثقافات وتتعانق الهويات، تخوض اللغة العربية، بتاريخها العريق ومكانتها الدستورية، معركة لإثبات وجودها الكامل في مفاصل الدولة والمجتمع.

وفي خضم هذا الواقع، جاء تصريحات وزير استصلاح الأراضي السكن والتمدن، السيد محمد السليك حلاته، كشرارة اشعلت عاصفة من الغضب والاستنكار، وكشف عن حساسية الجرح اللغوي العميق في الوجدان التشادي.

الزلّة التى هزّت الواعي الوطني. لم تكن الحادثة مجرد زلة لسان عابرة، بل كانت، في نظر الكثيرين، تعبيراً صارخاً عن استخفاف ممنهج.

ففي أثناء تغطية صحفية، وعندما طُلب من الوزير ترجمة موجزة لتصريحه من الفرنسية إلى الدارجة التشادية، وهي لغة الشارع التى يفهمها السواد الأعظم من السكان، جاء رده الذي وُصف بالعجرفة والازدراء. لقد اعتبر طلبه “بشتنة” (وهو مصطلح دراج يحمل معنى الفوضى والعبث)، مُهيناً بذلك الصحفي، ومُقللا من شأن لغة رسمية يكفلها دستور البلاد.

هذا التصريح لم يمر مرور الكرام. فقد انفجر الجدل على الفور، متحولاً إلى “قضية رأي عام” تجاوزت حدود الدائرة التاسعة في أنجمينا لتشمل كل محبي لغة الضاد والمدافعين عن الهوية الوطنية.

صرخة المثقفين والمؤثرين: “كرامتنا هي لغتنا”

تصاعدت الأصوات من كل حدب وصوب، لتشكل جبهة موحدة في وجه ما اعتبروه إهانة لاتغتفر . فمن مقاعد البرلمان، ارتفع صوت النائب أ.د. محمد النظيف يوسف، الذي شبّه المستهين بالعربية بمن”يوسخ ثوبه ثم ينكر رائحته”، مؤكداً أن الجهل في حقهالا يغتفر، لأنهالسان العقل وروح الهوية”. وتوالت ردود الفعل من المؤثرين والناشطين الذين شعروا بالاستفزاز المباشر.

المؤثر”أبو ياقوت” اعلن ولاءه وإخلاصه للغة الضاد، داعياً إلى وفقة احتجاجية لدعمها. بينما وصف المؤثر “عبدو” التصريح بأنه “وقاحة ناطقة بعجز وجهل”، مؤكداً أن لغة خلدت حضارة لايمكن لوزير “محدود الثقافة والهوية” أن ينقص من شأنها. أمامسؤول الإعلام في حركة الوطنية للإنقاذ، السيد عبد الناصر غاربوا، فوجه رسالة للصحفيين، داعياً إياهم إلى الاحترافية عبر الترجمة والتعليق الصوتي، وهو حل بسيط لم يكن ليستدعي ردة فعل الوزير المتعالية.

التبرير الذي كان “أكبر من اختها”

1. اللغة: قدم الوزير تبريرات باللغة الفرنسية، مما اعتبره الكثيرون تأكيداً على نظرته الدونية للعربية وإنها لاتستحق حتى أن يعتذر بها.

2. الرفض: رفض تقديم اعتذار صريح، وكأنه يرى أن من أساء إليهم لاقيمة لهم تستوجب الاعتذار.

3. العنصرية: كانت الطامة الكبرى حين حاول ربط اللغة العربية بالعنصر العربي الإنثى، معتبراً أنه كونه من “المكونات الإجتماعي للغة العربية” يعفيه من المساءلة.

هذه النقطة، كما أوضح الدكتور فضلة، هي أكبر إساءة للغة الضاد، فهي تقزمها وتحصرها في إطار عرقي ضيق، بينما هي في الحقيقة مكون أساسي للهوية الوطنية التشادية الجامعة لكل الإثنيات، ولغة الحضارة الإسلامية التي برع فيها علماء من اصول غير عربية كسيبويه وغيره.

بذاك، لم يهِن الوزير اللغة فحسب، بل اتُهم بتمزيق الوحدة الوطنية عبر تقسيمه المجتمع إلى “ناس عربي هناكو، وفرنسي هنانا”، متجاهلاً أن المدافعين عن العربية في تشاد هم من كل أطياف المجتمع وأقاليمه.

قضية دستورية وليست مجرد لغة

يسلط هذا الجدل الضوء على مفارقة مؤلمة: اللغة العربية، رغم أنها لغة رسمية بنص المادة العاشرة من دستور الجمهورية الخامسة، لاتزال تعاني من التهميش في الإدارات والمناسبات الرسمية، وهو ما أشار إليه محمد روزي، بأسى حين ذكر خلو فعليات وزارة الشباب من أي ندوة باللغة العربية.

إن طلب الصحفي لم يكن ترفاً، بل كان حقاً دستورياً للمواطن في الحصول على المعلومة بلغته الرسمية. وكما كتب زكريا آدم زكريا، المنسق الوطني لائتلاف “وقت تما الجناح السياسي”، فإن هذه الحادثة تمثل انتهاكاً للدستور والقيم الوطنية، وتجاوزاً ضد الصحافة التى ركن الديمقراطية.

الكلمة الفصل: صوت الرئاسة

في ختام هذه العاصفة، جاء صوت رئيس الجمهورية، الفريق الأول محمد إدريس ديبي إتنو، ليعيد الأمور إلى نصابها. ففي تصريح له، اكد الرئيس على حقيقة دستورية راسخة: “تشاد لها لغتان، العربية والفرنسية “، مشيراً إلى ضرورة تطبيق الثنائية اللغوية بشكل فعلي.

وأضاف:”أن اللغتين الرسميتين هما إرث وطني مشترك ، يجب أن تساهما في ترسيخ وحدة شعبنا، لا أن تتحولا إلى عامل انقسام لامبرر له”.

لقد كانت هذه الكلمات بمثابة الكلمة الفصل التى طال انتظارها، وتأكيداً على أن مكانة اللغة العربية ليست وجهة نظر أو شأناً يخص “بعض الناس”، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية الدولة التشادية.

ويبقى التاريخ، كما ذُكر، سجلاً لايرحم، يسجل المواقف والأقوال، ويحفظ للأجيال القادمة قصة وزير أهان لغة، فانتفض شعب للدفاع عن كرامته وهويته.

https://anbaaexpress.ma/r28vn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى