آراءسياسة
أخر الأخبار

لماذا غابت جامعة الدول العربية عن المشهد السوداني؟

دكتور/حسن شايب دنقس

سُئلت كثيراً من بني جلدتي و نقاشات دارت بين أصدقائي خاصة من المغرب العربي عن الغياب الملحوظ لجامعة الدول العربية إزاء الأزمة بين السودان والإمارات فكانت إجابتي لهم دوماً أن هنالك إشكاليات بنيوية ومعقدة في النظام الإقليمي العربي وفي آليات عمل الجامعة العربية نفسها.

هذا الغياب لا يمكن فهمه فقط من زاوية ضعف الأداء المؤسسي إنما يرتبط بتوازنات القوى داخل الجامعة وحسابات المصالح المتشابكة والسياسات غير المعلنة التي تحكم سلوك الدول العربية تجاه بعضها البعض.

الجامعة العربية بطبيعتها كيان توافقي تتخذ قراراتها وفق منطق الإجماع أو شبه الإجماع مما يجعلها رهينة لمواقف الدول الأكثر نفوذاً وتمويلاً فالإمارات تعد من أبرز الممولين للجامعة بصورة مباشرة و عبر تأثيرها في دول الخليج الأخرى.

كما أنها تمتلك نفوذاً سياسياً واقتصادياً واسعاً في المنطقة و هذا جعل لها ثقلاً لا يمكن تجاهله وفي ضوء ذلك يصبح من غير الواقعي أن تتخذ الجامعة موقفاً حاسماً أو حتى محايداً في قضية يكون أحد أطرافها دولة ذات نفوذ مالي وسياسي مثل الإمارات.

إضافة إلى ذلك فإن الانقسام العربي العميق حول الأزمات الإقليمية ومنها الأزمة في السودان يضعف القدرة على بناء موقف جماعي بعض الدول العربية تتبنى رواية الإمارات في الأزمة باعتبارها امتداداً لصراع أوسع بين تيارات الإسلام السياسي والقوى المناهضة له.

بينما دول أخرى تنظر إلى ما يحدث في السودان من زاوية الشرعية والسيادة الوطنية وهو ما تمثله الحكومة السودانية هذا التباين خلق شللاً وظيفياً في مؤسسات الجامعة ومنع من صدور بيانات أو مواقف تعكس الحد الأدنى من الانحياز للمبادئ المعلنة كدعم وحدة الدول العربية وسيادتها.

كما أن جامعة الدول العربية على مدار السنوات الماضية أصبحت تتعامل مع الأزمات الكبرى من موقع رد الفعل وليس الفعل و منذ ثورات الربيع العربي تراجعت قدرة الجامعة على الوساطة الفاعلة أو التأثير المباشر وتحولت في كثير من الأحيان إلى منصة شكلية تخلو من أدوات ضغط حقيقية.

وبالتالي فإن سكوتها عن الأزمة بين السودان والإمارات لا يعكس فقط موقفاً سياسياً بل يعكس أيضاً عجزاً وظيفياً وهيكلياً و على المستوى الإجرائي فإن عدم تفعيل آليات المساءلة أو فتح تحقيق داخلي في الاتهامات التي ساقتها الحكومة السودانية ضد الإمارات يضع الجامعة َفي وضع حرج على الأقل بأنها متقاعسة و غير قادرة على إحداث إختراق نتيجة لمؤثرات داخلية و خارجية.

الشكوى التي قدمها السودان ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية تعتبر تطوراً كبيراً وغير مسبوق في العلاقات العربية لكنها أيضاً تعكس مدى اليأس الذي وصلت إليه الحكومة السودانية من إمكانية تحرك الجامعة أو قيامها بدور الوسيط المقسط القادر على حل التقاطعات بين الدول الأعضاء.

وفي المحصلة فإن غياب الجامعة العربية عن هذه الأزمة ليس حالة استثنائية بل هو امتداد لمسار طويل من التراجع تتحكم فيه موازين القوى وتقيده حسابات المصالح ويغيب عنه الحد الأدنى من الالتزام الجماعي بالمبادئ التي تأسست عليها الجامعة.

لذا على شعب بلادي أن لا يعول على أي دور إيجابي من قبل المنظمات الإقليمية والدولية في حل أزماته و أن يتعامل معها وفق الأعراف الدبلوماسية و أن تمضي البلاد في تحقيق أهدافها و غاياتها بما يحفظ لها أمنها القومي.

* مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

https://anbaaexpress.ma/ga1n3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى