آراء
أخر الأخبار

الهوية المغربية.. بين حقيقة المعطيات العلمية و أوهام التزييف الإيديولوجي

قراءة في بحث المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية

قدم المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية IRES النسخة الثالثة للبحث الوطني حول الرابط الاجتماعي، و ضمنه يوجد محور “الهوية و المسألة اللغوية”.

المعهد يقدم نفسه على الصفحة الأولى كما يلي: “يهدف المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية إلى المساهمة في تنوير صنع القرار الاستراتيجي. ذلك أن مهامه تتجلى في إجراء دراسات و تحاليل استراتيجية حول القضايا التي تحال عليه من طرف صاحب الجلالة. كما يسهر المعهد على القيام بمهمة اليقظة على الصعيدين الوطني و الدولي في مجالات تعتبر استراتيجية بالنسبة للبلاد”.

و يجب التسطير تحت عبارة مهامه تتجلى في إجراء دراسات و تحاليل استراتيجية حول القضايا التي تحال عليه من طرف صاحب الجلالة.

يؤكد المعهد، في ديباجة بحثه الميداني الثالث، أنه بني على خلاصات بحثين ميدانيين سابقين، يعودان إلى عامي 2011 و 2016، مما يؤكد على الطابع التراكمي الذي يحقق إلماما شاملا بالمسألة المدروسة، و يساعد على بناء مُخرجات علمية موثوق بها.

على مستوى العينة المدروسة فقد شملت 6000 شخصا تفوق أعمارهم 18 سنة و يتوزعون على جميع مناطق المملكة.

وبالنظر لحجم الساكنة الكبير و شمولية عامة التراب المغربي و توظيف تقنيات المعايرة العلمية، فإن نتائج الاستقراء العلمي يمكن تعميمها على جميع ساكنة المملكة.

في علاقة بالبعد الوطني للهوية المغربية، فهو يتأسس على ثلاثة روابط هوياتية (الإسلام، العروبة، المغربية).

وإذا كان البعدان، الإسلامي و العربي، يحضران كوحدتين منسجمتين، فإن البعد المغربي يحيل على الطابع المركب الذي تتداخل فيه الثقافة الأمازيغية، بلهجاتها الثلاث، بالبعد المتوسطي و الإفريقي.

في علاقة بالمسألة اللغوية، حضرت اللغة العربية كمركز للتداول اللغوي بالمغرب، بينما حضرت الأمازيغية و اللغات الأجنبية كأطراف، ولعل هذا هو ما تؤكده الوضعية الثابتة للغة العربية كلغة رسمية أولى و كلغة للهوية الوطنية المغربية، في مقابل وضعية اللاثبات الذي يميز اللغات الأجنبية، و حالة الجمود التي تطبع الأمازيغية.

و يفسر البحث هذه الوضعية بارتباط لغات الأطراف بحركات ذات صلات ثقافية/إقليمية (إحالة على الأمازيغية) أو أجنبية (إحالة على الفرنسية).

في علاقة باللغات الأجنبية، أكد البحث على تراجع كبير للغة الفرنسية، و ذلك راجع إلى التأثير الذي يمارسه الانفتاح الديبلوماسي على الفضاء الأنجلوسكسوني، و لذلك يخلص البحث إلى أن التوازن بين الفرنسية و الإنجليزية على وشك أن ينعكس، فقد انخفض تفضيل المغاربة للغة الفرنسية في التدريس من %,63,5 عام 2016 إلى %36,9 عام 2023، و ذلك مقابل زيادة كبيرة في تفضيل اللغة الإنجليزية، حيث تضاعفت هذه النسبة بين عامي 2016 و 2023.

و لعل هذا هو ما ينسجم مع تراجع دور الفرنكفونية في إفريقيا عامة، و المغرب ليس استثناء في ذلك، بل إن الانفتاح على الضفة الأطلسية كان له كبير التأثير على تفاعل المغرب مع فضاءات ثقافية و لغوية أنجلوسكسونية و صينية و روسية لاتينية، بالإضافة إلى التأثير المتوسطي الأوروبي، إسبانيا و ألمانيا بشكل خاص، و هذا ما جعل الفرنسية، لغة و ثقافة، تحتل حيزا صغيرا هو في تضاؤل مستمر نتيجة المنافسة الشرسة للمراكز الدولية الكبرى، خصوصا في ظل تراجع الدور الفرنسي، على مستوى العالم، في الاقتصاد كما في السياسة و الثقافة.

في علاقة بالأمازيغية، يؤكد البحث أنه رغم الطابع الرسمي لا تجد الأمازيغية صدى كاف لدى المغاربة، و تظل المطالب المتكررة بشأن موضوع الأمازيغية مسألة نخبوية، و يقدم البحث كدليل على ذلك، بقاء نسبة تفضيل الأمازيغية كلغة رئيسية للتعليم على حالها (%5 من المغاربة) ما بين 2016 و 2023.

و لعل هذا هو ما ينسجم مع نتائج إحصاء 2024 الذي أكد على هامشية حضور أبجدية تيفيناغ التي لا يتقنها أكثر من %1.

في علاقة باللغة العربية، تنسجم وضعية اللغة مع مركزية المكون الهوياتي العربي بالمغرب، و الذي استخلص البحث، على مستوى مكون الهوية، أنه يمثل رابطا أساسيا مضافا إلى الإسلام.

و هذا ما ينعكس على المستوى اللغوي، حيث يؤكد البحث أن ثلاثة أرباع المغاربة عبروا عن تفضيلهم للغة العربية الفصحى كلغة أولى. لعل هذا هو ما ينسجم مع نتائج إحصاء 2024 الذي أكد على إتقان المغاربة للغة العربية بنسبة %99.2.

هذه خلاصات علمية ناتجة عن استقراء علمي دقيق، و تحظى بالمشروعية الرسمية على أرقى مستوياتها في علاقة بالمؤسسة الملكية.

لذلك، يجب تنزيل مخرجات البحث على مستوى التداول الوطني، في التعليم و الثقافة و الإعلام، بهدف تصحيح الكليشيهات الإيديولوجية المروجة من طرف الفرنكفونيين و العرقيين، بخصوص الهوية الوطنية، و التي تزيف معطيات الواقع الحقيقي و تصطنع واقعا افتراضيا يتجاوز حدود المتخيل.

https://anbaaexpress.ma/srq3q

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

‫3 تعليقات

  1. ـ وفق الله أخانا إدريس و بارك فيه ،الكاتب و الباحث المدافع عن مغربية المغرب الحقة ضد من يسعى لإحياء النعرات العرقية المشتتة لوحدة المغاربة . ـ المغاربة مسلمون يعتزون بإسلامهم ، و لغة كتاب ربهم سبحانه و تعالى و لسان نبيهم العربي الأمين صلى الله عليه و سلم ، و يتآخون فيما بينهم عربهم و بربرهم . فالحمد لله على نعمة الإسلام الجامعة لمواطني مغربنا الحبيب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى