إعداد: نسرين موسى – صحافية فلسطينية
خاص بأنباء إكسبريس – يستقبل قطاع غزة شهر رمضان هذا العام، تحت وطأة الدمار والتشريد، حيث لم تعد الحياة كما كانت قبل الحرب، بل تحوّلت إلى صراع يومي من أجل البقاء.
ورغم قسوة الظروف، أبى الغزيون إلا أن يستقبلوا الشهر الكريم بزينة رمضانية تُعيد شيئًا من الأمل إلى قلوبهم المنهكة.
رمضان تحت الخيام.. معاناة مستمرة
في شوارع غزة التي تحوّلت إلى أكوام من الركام، وفي المخيمات التي حلّت مكان البيوت، يستعدّ السكان لشهر رمضان ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة تمامًا.
لا موائد عامرة، لا لمّة العائلة حول التلفاز، ولا أصوات الأذان التي تعانق سماء المدينة من مآذنها المعتادة، بل خيام تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وسكان يعانون الأمرّين لتأمين قوت يومهم.
إسلام الأيوبي، التي فقدت منزلها في قصف برج السوسي، تصف حالها قائلة: “للأسف، سيأتي رمضان وأنا أعيش في خيمة. الحرب انتهت ولكنها تركتني بلا مأوى، بلا كهرباء، بلا مياه صالحة للشرب”.
تختم الأيوبي:” في ليالي رمضان، سأكون وحيدة وسط البرد، وسأعيش المعاناة نفسها التي عشتها خلال الحرب.
أما ياسر النجار من خان يونس، فقد لخص حاله قائلاً: “الحرب انتهت لكننا ما زلنا نخوض معركة البقاء. لن يكون رمضان هذا العام مختلفًا عن العام الماضي، فلا بيت يجمعنا، ولا مطبخ نحضّر فيه وجباتنا، فقط ننتظر المساعدات، ونترقّب كل يوم كيف سنتمكن من توفير الماء والطعام”.
رمضان بلا مساجد ولا طقوس دينية
وما يدعي لحزن المواطنين في غزة هذا العام هو غياب المساجد التي دُمّرت بالكامل أو تضررت بشكل كبير.
إصلاح رفعت من النصيرات، تتحدث عن فقدان الأجواء الروحانية التي تميز الشهر الفضيل: “كنت أنتظر رمضان لأذهب لصلاة التراويح وأعيش روحانيته، لكن اليوم، لا مساجد، لا أذان يسمع بوضوح، لا جلسات قرآنية”.
تضيف إصلاح: “سأعدّ سحورنا على ضوء الهاتف المحمول، وسأطهو الإفطار وأنا قلقة من انهيار الخيمة التي أعيش فيها على الرمال المتحركة”.
أما أسعد الفيومي، الذي عاد إلى بيته ليجده ركامًا، فيقول: “رمضان هذا العام يأتي ونحن نختنق في الخيام، لا مياه ولا كهرباء، ولا حتى أفق للخروج من هذا الجحيم. نحاول أن نتمسك بأي شعور رمضاني، لكنهم حتى الطقوس الدينية حرمونا منها”.
زينة رمضان.. قبس من الأمل وسط العتمة
ورغم هذه المعاناة التي تحيط بالغزيين من كل جانب، إلا أن الأمل لم ينطفئ تمامًا، فقد لجأ بعض الأهالي إلى تزيين خيامهم بعبارات رمضانية وزينة بسيطة صنعوها بأيديهم، ليمنحوا أطفالهم شيئًا من الفرح.
سعاد إبراهيم، وهي أم لثلاثة أطفال، تؤكد أن التحدي الأكبر هو إبقاء الأمل حيًا في قلوب الصغار.
تقول سعاد: “رغم كل شيء، قمت بتزيين الخيمة بعبارات رمضانية وأضواء بسيطة لأشعر أطفالي ببهجة الشهر الكريم. نحن نعيش في ظروف قاسية، لكن لا بد من أن نحافظ على الروح المعنوية العالية ولو بأبسط الأشياء”.
وإجتمع الأطفال أمام خيمهم في مواصي خانيونس، وقاموا برسم الهلال والنجوم على قطع من الورق المقوى، مستخدمين الألوان المتاحة لديهم، بينما قام آخرون بتعليق فوانيس ورقية صغيرة على أبواب خيامهم.
رغم بساطة هذا المشهد إلا أنه يعكس الصمود الغزي أمام الظروف القاسية، ورفض الاستسلام للحزن.
هكذا، يأتي رمضان على غزة للعام الثاني على التوالي وسط الخراب والمعاناة، لكن رغم الألم، يبقى الأمل. ففي كل خيمة مزينة بفانوس بسيط، وفي كل ابتسامة طفل يتأمل الأضواء الخافتة، رسالة قوية بأن الحياة تستمر، وأن روح رمضان لا يمكن أن تُطفأ حتى في أحلك الظروف.