آراءسياسة

مارتن لوثر كنغ والإنتخابات..

مارتن لوثر كنغ رجل زنجي، حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1964م، وهو أصغر من حصل عليها، تزعم حركة أفريقية في أمريكا، ناضلت من أجل الحرية وحقوق الإنسان، تزعم حِراكًا لأجل الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة السود، ومن أهمها حق التصويت والانتخاب، اتخذ من السلم شعار له، رفض العنف بكل أشكاله وصوره، نظمَّ حِراكًا كبيرًا من أجل السماح للأفارقة للدخول إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية والقضائية والتنفيذية

قوُبل هذا الحراك بمنتهى العنف والصلف من قبل الحكومة الأمريكية، حيث رفض الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أن يعطي هذا الحق للأفارقة في البداية، وكان السبب الرئيسي في الرفض هو ضغط حكام الولايات الأمريكية على عدم إقرار القرار، خوفًا على امتيازاتهم، ومناصبهم أن يتشاركوها مع السود، والتربية العنصرية والكراهية التي نشئوا عليها، حيث قام حكام الولايات والمقاطعات الأمريكية بحشد رجال الشرطة والأمن؛ لقطع المسيرات السلمية التي تزعمها مارتن لوثر كنغ، وإطلاق الدخان والغاز المسيل للدموع، لينتهي الأمر إلى تطاير الأيدي والأقدام، وتكسير الأضلاع والجماجم، وسقوط الضحايا من الرجال والنساء والأطفال.

 بالرغم من مطالبة مجموعة من المتظاهرين مارتن لوثر باستخدام الأسلحة كردة فعل على استبداد الشرطة، وظلمها وقتلها للمتظاهرين السلميين؛ إلا أنه رفض بشدة، قائلًا: لن أكون السبب في إراقة بحر من الدماء، فإن قتلنا منهم اثنان بأسلحتنا القليلة والقديمة، فهم يملكون السلاح المتطور والدبابات والطائرات والأرض والسماء، وستكون خسائرنا فادحة، لا يمكن أن تًعد وتحصى.

واصل مارتن لوثر كنغ ومن معه مسيراتهم السلمية دون كلل أو ملل أو تخاذل، واستطاع أن يلفت أنظار العالم إلى العنف الذي يتعرض له هو وجميع الأفارقة في أمريكا، من خلال وسائل الإعلام، التي نقلت على الهواء مباشرة العنف الشديد، الذي تعرض له الأفارقة، والذي تخطى حدود الإنسانية، فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم المدنية، والتي على رأسها حق الاقتراع والانتخاب والتصويت.

مما اضطر الرئيس الأمريكي إلى مهاتفته، طالبًا منه أن يتخلى لبعض الوقت عن المسيرات السلمية، واعدًا إياه بإقرار قانون في الدستور الأمريكي يسمح لهم بأخذ كافة حقوقهم المدنية، إلا أن مارتن لوثر كنغ رفض، قائلًا له: يا سيدي إن الأمر كله جرة قلم، وأنت ترفض أن تأخذ الخطوة الأولى بالتوقيع على قرار لن يكلفك شيئًا، وأنت الذي اُنتخبت من قبل الشعب الأمريكي، وفزت فوزًا ساحقًا، يا سيدي احقن الدماء أرجوك.

 فما كان من الرئيس الأمريكي إلا أن جمع وزرائه ومستشاريه، ليتباحثوا في الأمر، فوافق البعض ورفض الآخر، ثم ليعلن الرئيس بأنه لن يدع التاريخ يلعنه، ويذكره بسوء؛ فالتاريخ لا يرحم، لأنه لم يعط للسود حقوقهم ويرد لهم كرامتهم وإنسانيتهم؛ ليخرج على الملأ مضيف للدستور الأمريكي حق الأفارقة في التصويت والانتخاب والاقتراع، دون تمييز بين لون أو عرق أو جنس؛ ليبكي مارتن لوثر كنغ أمام أصدقائه كطفل صغير بعد أن نجحت معركته التي ناضل لأجلها، قائلًا: كل ما أريده وأتمناه الآن أن أعيش طويلًا، وأمارس عملي، وأعيش بسعادة، أحلام بسيطة يحلم بها كل الأحرار في هذا العالم البشع؛ إلا أن يد الغدر طالته، ليلقى حتفه بطلق ناري، أُطلق عليه في عنقه، بعد رحلة عذاب مريرة من قمع وسجن وتعذيب وتهديد وتشويه سمعة.

مات مارتن لوثر كنغ نتيجة قضية آمن بها، ودافع عنها، قدَّم فيها مصلحة قومه على مصلحته الشخصية، رغم كل الإغراءات التي عُرضت عليه، لتكون النتيجة اعتلاء باراك أوباما سدة الحكم، ليكون أول رئيس أمريكي أسود، لأم بيضاء وأب زنجي، بينما في وطننا العربي نُحرم من هذا الحق، ونمنع منه ليس لأننا زنوج وهم بيض، لا .. لأن هناك عنصرية أشد مقتًا وسوءًا، وكراهية استحكمت القلوب والعقول والأفئدة، فالطائفية والمذهبية واعتناق الأيدولوجيات القومية والدينية العفنة حالت دون ذلك.

لأن المصالح الضيقة لفئة من الناس وقفت بالمرصاد لكل من طالب ويطالب بانتخابات حرة ونزيهة، ولأن الفتاوى خرجت تباعًا بحرمة الخروج على الحاكم، ولو سرق مالك وجلد ظهرك، فرأينا كيف يفوز رؤوساء الدول العربية بنسبة 99.9 %، وتتم ملاحقة هذا الواحد الوهمي الذي خرج عن الإجماع بدعوى النزاهة، وشاهدنا كيف تُستخدم أعتى الأسلحة في العصر الحديث ضد الشعوب؛ لتجري شلالات الدم الزكية؛ لأنها طالبت الحكومات يومًا بالإصلاح، ومحاربة الفساد، وتطبيق القانون على الجميع. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هل يوجد هناك ما رتن لوثر كنغ لنا نحن العرب ليخرجنا مما نحن فيه، يكون همه المواطن والوطن، وليس حزبه أو فصيله أو طائفته أو..

https://anbaaexpress.ma/3g9ix

رهف محمد حنيدق

كاتبة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في المذاهب الفكرية المعاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى