آراءثقافة

قراءة في كتاب ناس الغيوان خطاب الاحتفالية الغنائية

للكاتب والمترجم المغربي عبدالله الحيمر

بقلم: الكاتب المسرحي الجزائري محمد بويش

هكذا أريد ان اكتب لكاتب يهز عرش النص.. ولكتاب يتساقط رطب الحرف منه جليا أحمل كل حبري لأغوص في تقديمه اليوم وأنا متعثرا بخطوات فرقة رهيبة وتصوف أزلي يجعل الارتعاش في الولوج الى عمق المحيط الغيواني صعب وصعب جدا ولكن نحاول، اشرب من سفينة.. الحال.. لا تحرر من هيمنة الاخر إلى الذات المبدعة في نفسية الغيوان إلى المرجعية النصية والتاريخية التي حملت ناس الغيوان الى سدرة البروز في زمن صعب للنجم ان يرتقي سماء الفن.. يقول العربي باطما.. عندما نصعد فوق الخشبة نفقد ذواتنا وشعورنا ولنسترجعه الى في حالة النزول..

الذي يجر تجربته الكتابية عن الغيوانية إلى العمق الى السر الدفين في العلاقة الصوفية والبعد الطربي والثوري والايقاعي، في سد فراغ المتلقي وحمله الى المنصة وبالتالي إعادة بعثه من جديد صافي الذهن ومتحرر من رعونة المنفى الإجباري الذي يحاصره من صعوبة العيش والتأقلم مع محيطه الإجتماعي..

إنها.. ناس الغيوان..
حالي اليوم راه ادفعني
وبغيت نوضع سؤال.

كل الأسئلة مفخخة في بداية التجلي إلى الحضرة إلى الحلقة إلى التفاعل مع البث الخارق، لاتجاهات التفكير العادي.. هكذا يحملنا الكتاب من زاوية المرجع الصوفي المحمول في الذاكرة الشعبية المغاربية وخصوصا ما كتبه الشيخ قدور العلمي وتأثر اعضاء الفرقة باتجاهه وتصوره الصوفي ونظرته الى الحال كتصوف إيجابي لحمل الذات إلى قداسة الرؤيا والتجلي الذاتي خارج الاخر.. ومن هذا أصبح اللون الغنائي لناس الغيوان يقترب أكثر من هذه الطريقة الصوفية التي حملت الانسان للتعبير من مداخيله وكينونته بالغرق التام، ومحافل الصعود بالنفس إلى السماع الطريقة الوحيدة لإيصال المتلقي، إلى الحال النقطة الأساسية لبعث الشعور بالذات وبالتالي بث الافكار والحكم والتراث الموزون..

ومن.. القمبري.. الآلة العجيبة التي تختبر ذهنية المتلقي تبدأ قصيدة الكتاب، في حملنا الى أجواء القداسة والصعود إلى سدرة الحال الغريب الذي يبحث عنه كل متلقي للغيوان.. إنها الصناعة الفنية الخالدة التي غازلت الروح وصفاء التبشير، بلحن جديد يقود إلى إكتشافنا نحن الى ذواتنا الضائعة في الفراغ الروحي الرهيب.. هكذا كان التغلب عن الأنانية في تلك الفترة من السبعينات الي جعلت مواكبة الفرق الغربية من البيتلز والرفقاء بصناعة عربية اسمها ناس الغيوان، وكان الإختلاف بينهما صفاء العقيدة الموسيقية المتبعة والطريقة الصوفية الغارقة في بث الكلمات والمبثوث العاطفي الذي يهز الكيان..

عبد الله الحيمر بتجربته هذه يقود الكتب ليس إلى التأريخ فقط، ولكن إلى اعادة فتح أسئلة كبيرة حول الغيوانية ودورها في التوعية، ودورها في المسرح، ودورها في الاحتفال، ودورها في بناء مجتمع عربي حداثي. يدرك معنى الذائقة الفنية التي تزرع مساره في الحياة، وتجره إلى اكتساب خبرة الرقي في مسار فصولها..

التألق في التألق والتمرد الذي جمع كتيبة ناس الغيوان المغربية يأتي هذا الكتاب الاحتفاء نستطيع تسميته هكذا الاحتفاء، ليضع صورة الالتحاق بالغيوانية كمدرسة راقية أنتجت وأخرجت إلى الوجود فرقا غنائية ولدت في زمن النار والبارود الزمن المغربي الصعب.

نجمة كانت في سماء من التصوف والاحتفال الذي قاده المخرج المغربي الكبير الطيب صديقي، الذي يمكن إعتباره الأب الروحي لهذه الفرقة والذي جر تمردها إلى ركح المسرح بمسرحية، عشيق عيوشة والحراز.. ليقود ثورة ركحية أبطالها فرقة سيكون لها في القادم من الزمن شأن عظيم…إنها الأوراق المتناثرة التي يحملها الكتاب والدكتور عبد الله، في إنجازه المهم والمؤرخ في لحظة تراسبية لفن آخر هو يقول أننا امتلكنا فنا مميزا اسمه الغيوان…. …. لم يرحلوا…. الحرف مازال يشد على اللحن الغيواني رغم ان الفرقة، عرفت الموت بشكل رهيب مع الأب الروحي والمؤسس في زمن الفجيعة أين عاشت فرقة “ناس الغيوان” هزات تتالت تباعًا عرفتها، فالموت أبى إلا أن يخطف بوجميع، الذي غادر هذه الحياة باكرًا، في الثلاثين من عمره، أي في سنة 1974.

فوجئ بموته جمهوره الواسع، وأصدقاؤه المقربون ورغم ذاك استمر النضال والالتزام وبحر الغيوان…. حال المرافقة الى عالمنا الحالي الى اسئلة كينونتنا في هذه الحياة.. إلى حريتنا الى ذواتنا وصراعنا مع الحياة “مهمومة هاذي الدنيا”.

مهمومة بنا هي الدنيا بلسان حال الغيوان، والتجربة التي جرت الفرقة إلى قراءة الحياة وفق دال شعبي ومدلول لفظي أعطى للكلمة حقها في زمن تراجعت حرية التعبير كثيرا بالمغرب ولكن صعدت الغيوان إلى ركح الحياة بتجربة فريدة من نوعها في تلك المرحلة.. الغيوانية في هذا الكتاب الذي يقدمه الدكتور عبد الله الحيمر هي.. أقصد الغيوانية، سفر في الممكن التغييري لتهذيب السماع الصوفي الذي يصبح فيه المريد من عامة الشعب ومتلقي بسيط جدا يصعد بالحال الى سدرة المعرفة لكينونة الانسان الحقيقي خارج الهلامي او الذي تصنه أيديولوجيات واتجاهات عقيمة..

لقد حاول الدكتور في كتابه قراءتنا نحن الذين سافرنا خصوصا في السبعينات والثمانينات مع الكمبري والصوت الشجي لباطما وفرقة الغيوان التي أجهشت النص بالصراخ، بحر الغيوان ما دخلت بالعاني.. لكن الاستاذ عبد الله يدخل بنا الغيوان عنوة في هذا الكتاب.

https://anbaaexpress.ma/8m5l4

تعليق واحد

  1. تحفزنا هذه القراءة المعمقة لكتاب الدكتور عبد الله حيمر على سماع هذه الفرقة الصوفية
    وقراءة ماكتب عنها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى