آراءثقافة

مقاييس و مقاسات

الكل يرى الأشياء من زاويته الخاصة، الكل يرى الأشياء حسب مقاييس عامة و محددة متفق عليها بشكل قبلي، أو مقاييس شاذة لا تخضع لمنطق معين أو اتفاق مسبق أو مشروط.

كما أن زوايا الرؤية تختلف من حيث المضمون حسب الرائي نفسه و حسب ثقافته و وسطه الاجتماعي و نفسيته و حسب إستعداده.

فالخيط الأبيض، لا يشبه أبدا الخيط الأسود، لكنهما يلتقيان من حيث التركيبة لعناصر تكوينهما و يبدو الاختلاف شبه منعدم، لكن اللون يضفي عليهما إختلافا واضحا، و التمايز بينهما جليا.

فمقاييسنا للأشياء تخضع أولا للاعتبارات البصرية قبل الاعتبارات الأخرى، التي هي أحكام قيمة لا غير، قد تكون صائبة أو مجانبة للصواب، قد تخلق توترا نفسيا عند البعض و إرتياحا لدى البعض الآخر و قد تدخلنا في متاهات بدون مخرج و تشنجات فكرية و خصومات تافهة.

فيما الأعمى، تتشابه لديه كل الأشياء، فهو لا يستطيع التمييز بين الجميل و القبيح، بين الخيط الأبيض و الخيط الأسود، بين من يحبه و من يكرهه و تبقى الحواس و إحساساته هي من يعطي لونا محددا و تميزا نوعيا للآخر و كل الأشياء، فمقاييسه تخضع لمقايسات معلومة لديه إكتسبها بالتجربة و الاحتكاك اليومي مع محيطه العام والضيق.

فيما تكون للخلفيات بصمة في ما يخص مقاييسنا و مقاساتنا، خلفيات أيديولوجية و لغوية و عقدية و إثنية و حتى عرقية و غيرها من الخلفيات، التي تخلق فارقا في نظرتنا للآخر و كل الأشياء، وغالبا ما نتبنى أحكاما جاهزة، أو تلك النظرة الضيقة للحكم على الأشياء، فمقاييسنا تشبه إلى حد ما مقاساتنا، حسب التربية و الوسط الاجتماعي و الثقافي و الانتماء الحضاري.

فالعين الناقدة ليست كالعين اللاهية و غير المبالية و ليست كالعين الحاقدة، و لا كالعين الموضوعية أو العين الحالمة، أي تلك التي تملك رؤية إستشرافية للمستقبل، دون أن ننسى العين الانتهازية .

فالتجرد يضفي مصداقية أكبر على نظرتنا للأشياء، و فهمها أكثر، كما أن أخذ المسافة الكافية بيننا وبين تلك  الأشياء بشكل تبدو فيه أكثر شفافية و وضوحا، بل تلهمنا إلى ما وراء تلك الأشياء من أسرار، ومن هنا تتضح الصورة لنفهم جيدا الدال و المدلول و تلك  الرسالة السطحية قبل تلك المبطنة و الخفية عن أذهاننا.

قد تبدو الصورة واضحة، لأول وهلة و سهلة الفهم، كما قد يبدو الشخص الذي أمامك،لكن مع إختلاف زوايا النظر نكتشف زيف الصورة و زيف إنطباعاتنا حولها من أول نظرة، كما نكتشف عيوب ذلك الشخص في أول تجربة أو إحتكاك مباشر معه.

و لهذا فمقاييسنا للأشياء تكتسب مقاساتها الأخيرة بالتجربة و الاحتكاك، كما أن عامل الزمن يعطينا صورة أوضح حول حقيقة الأشياء والأشخاص.

https://anbaaexpress.ma/aqrjr

أحمد الونزاني

كاتب وباحث مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى