تقاريردوليسياسة

لماذا إنسحبت روسيا من خاركيف؟ خبراء ومحللون يجيبون

وسط تناقض روسي أوكراني في قراءة وتقييم التطورات على محور خاركيف، تتواصل محاولات المراقبين الروس لتفسير التقدم الأوكراني المفاجئ من جهة، وخلفيات قرار وزارة الدفاع الروسية في إعادة انتشار قواتها وتجميعها بالقرب من دونيتسك، فيما يبدو استعدادا لحسم معركة دونباس.

في هذه الأجواء، يلاحظ زيادة في تسليط وسائل الإعلام الروسية على حجم الخسائر التي أوقعتها القوات في صفوف نظيرتها الأوكرانية، في المقابل تنهمك الآلة الإعلامية الغربية في الحديث عن ما تعتبره إنجازا أوكرانيا باستعادة المناطق التي سبق للقوات الروسية السيطرة عليها.

وبعد عدة أيام من غياب التعليقات الرسمية الروسية على أحداث المنطقة العسكرية الشمالية باتجاه خاركيف، حيث اندلعت معارك عنيفة بالقرب من مدن بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه “من أجل تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الخاصة لتحرير دونباس، تم اتخاذ قرار بإعادة تجميع القوات الروسية الموجودة بمنطقتي بالاكليا وإيزيوم لتكثيف الجهود في اتجاه دونيتسك”.

أما رئيس جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، فأدلى لأول مرة منذ بدء الحرب مع أوكرانيا بتصريح حول حصول “أخطاء” ووصف الوضع بأنه “مثير للاهتمام” لكنه وعد باسترجاع جميع المدن التي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها.

وبمعزل عن التقييم العسكري والجيوسياسي لأهمية وحجم التطورات الأخيرة على الجبهة، عبرت شخصيات سياسية روسية عن مواقف لافتة في هذا السياق.

ففي تسجيل صوتي له نشر على موقع تلغرام، قال النائب في مجلس الدوما عن حزب روسيا المتحدة ميخائيل شيريميت، وهو كذلك عضو في لجنة الأمن ومكافحة الفساد، إن “روسيا بحاجة إلى إعلان التعبئة العامة، وإلا فلن تتحقق أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا”.

لكن أندري كليموف، رئيس لجنة سيادة الدولة التابعة لمجلس الاتحاد الروسي، قال للصحفيين إن إثارة الحديث عن التعبئة العسكرية هو أكثر فائدة لخصوم روسيا لأنه يمنحهم الأمل في “تهييج” المجتمع الروسي.

ويأتي ذلك ردا على ما يقوله بعض المراقبين من أن التعبئة العسكرية ستشبع الخطوط الأمامية بقوات المشاة، وبعد ذلك، ستصل العملية العسكرية إلى أهدافها بسلاسة، الشيء الذي لا يتفق معه أغلب الخبراء العسكريين، معتقدين أنه من الضروري الاسترشاد بمبدأ “القتال ليس بالأرقام ولكن بالمهارة”.

زوبعة في فنجان

أيا كان الأمر، فإن أكثرية المحللين العسكريين في روسيا يميلون إلى التقليل من أهمية التقدم الأوكراني على محور الجبهة الشرقية، ويعتبرون أنه موضعي ومؤقت.

وحسب هؤلاء، فإن “الضجة” التي تثيرها وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية في هذا السياق تثير الاهتمام على ضوء الحديث عن صعوبات في توفير الذخيرة في روسيا، التي لديها مرافق إنتاج خاصة بها، بينما هم ليسوا قلقين على الإطلاق بشأن أوكرانيا التي تعتمد بشكل كامل على الإمدادات الأجنبية وحتى المخزونات السوفياتية، حسب تعبيرهم.

وبرأيهم، ربما يكون الغرض من هذه الضجة “إقناع الرأي العام في العالم الغربي بأنه ليس عبثا أنهم يعانون من الصعوبات الاقتصادية المرتبطة بالعقوبات ضد روسيا، وبأنهم يحققون نتائج ملموسة على ما يُزعم من تقويض القوة العسكرية لروسيا”

إعادة “تحميل”

ويقول المحلل العسكري يفغيني دومين إن انسحاب القوات الروسية جاء متعمدا لتركيز انتباهها على مناطق التمركز الضعيفة، مستبعدا حدوث تغيرات عميقة في “فلسفة” التكتيكات القتالية، إذ ستساعد هذه الإجراءات في النهاية على شن هجوم أكثر فعالية في المستقبل، وهو ما لا تتوقعه القوات المسلحة الأوكرانية.

ويؤكد -في حديث للجزيرة نت- أنه في بعض الأحيان يكون من الضروري التراجع خطوة إلى الوراء للمضي قدما، فقد كان الانسحاب ضروريا لتقوية الخطوط الخلفية غير المحمية في مناطق أخرى.

وبرأيه، فإن الغرض من هذا الهجوم لدفع الوحدات الروسية بعيدا عن خاركيف قدر الإمكان.

ويلفت إلى أنه “رغم التطورات على محور خاركيف، إلا أن القوات الأوكرانية ما زالت تتكبد خسائر، وأنها فقدت عدة آلاف من المقاتلين، وعادة ما تكون الخسائر في الهجوم أعلى منها في الدفاع. والسؤال هو: هل هذه الخسائر كافية لوقف العمليات الهجومية الحالية للقوات المسلحة لأوكرانيا؟”.

بموازاة ذلك، يعتبر الخبير بالشؤون الأوكرانية ألكسندر دودتشاك أن المرحلة المقبلة من العمليات العسكرية ستكون أكثر سخونة، وستتعامل فيها القوات الروسية بمزيد من الاهتمام مع “أصغر إنجاز ميداني” يمكن أن تحققه كييف، لما لذلك من أهمية في الإبقاء على الحالة المعنوية المرتفعة للقوات والمواطنين.

ويرى الخبير دودتشاك أن كييف ستواجه تعقيدات كبيرة في “تثبيت أقدامها” في المناطق التي سيطرت عليها، بسبب الظروف الطبيعة والجغرافية التي ستواجهها الأشهر المقبلة، رغم أن موسكو لا تعتبر المناطق التي استعادت أوكرانيا السيطرة عليها ذات أهمية بالنسبة لها، على حد قوله.

دونباس أولا

ويدعو دودتشاك إلى الأخذ بالحسبان أن القوات المسلحة الأوكرانية تكبدت خسائر فادحة في المعدات والقوى العاملة، فضلا عن الحركة النشطة لسيارات الإسعاف بالمدن الأوكرانية، بما فيها كييف، مما يدل برأيه على عبء العمل في المستشفيات الواقعة بالقرب من الجبهات. وختم بأن المعركة الرئيسية والهدف الأكثر “ثقلا” هو في استكمال السيطرة على إقليم دونباس، مرجحا حدوث ذلك بحلول فصل الخريف من العام الحالي.

https://anbaaexpress.ma/vpbyp

فهيم الصوراني

خبير في الشؤون الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى