قبل الانطلاق في تبيان نوعية الخطر الذي تمثله دولة الجزائر للمغرب و كربط و تذكير للمقال السابق لا بد من البدء بفكرة عامة ليتضح للقارىء دعوى عنوان هذا المقال هناك فكرتان أساسيتان لا يمكن تجاوزهما لأنني أحاول كمختص في علم الاجتماع ان أوضح بعض الامور من منظور السوسيولوجيا السياسية قبل الانخراط في السياسة مباشرة ،الأولى هو كون جميع من حكموا الجزائر قبل الرئيس الحالي هم من العسكر و لا يتوفرون على شهادة البكالوريا .
إذن لابد من وضع هذا في عين الاعتبار للمساعدة على فهم سلوك حكام الجارة الشرقية إتجاه جيرانهم و تجاه شعبهم فإذا رجعنا الى المقال السابق و الذي تحدثت فيه عن مفهوم الأمية السياسية التي طبعت حكام و شعب الجزائر و إعتمادا على الوقت الضيق جدا التي كانت السياسة هناك تجد لها نقاشات خصوصا مع تجربة مصالي الحاج و فرحات عباس فإن الانقلابيين الذين تماهو مع بن بلة على فرحات عباس و بومدين على بن بلة أعطت الإشارات الواضحة لطبيعة الحكم الذي ساد و مازال الى يومنا هذا .
أولا انا من المدافعين الشرسين عن الوحدة المغاربية و من الداعين الى تجاوز سلوكات السب و الشتم التي طفت مؤخرا بين الشعبين الشقيقين ،لكن علينا تبيان دوافع الظرف الحالي الذي تعيشه العلاقات الرسمية و غير الرسمية بين الدولتين و التي ترجع بالاساس الى سلوكيات النظام العسكري في الجزائر .
منذ البداية و الى الان تكونت مفاهيم أساسية يمكن إعتبارها اللبنات الأساسية لنمط التفكير عند النخبة السياسية الحاكمة في الجزائر و التي تسربت و أشربها الشعب الجزائري عن قصد و بدونه .
هذه اللبنات تشكل الأساس لمخيال الضمير الجمعي لنظام العسكر و تابعيه و التي تمتحي من السياسة في وجهها القبيح و المبتدل ، لبنات تستند إلى مفاهيم إنغرست ووجهت سلوكيات الجزائريين و هي : الانقلاب و الغدر و الكذب و اللصوصية و الفردانية و العنصرية .
هذا المفهوم الاخير الذي هو العنصرية يمكن فهمه و تلمسه عند شعبين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصا هما : مصر و الجزائر. لقد تكون لذيهم اعتزاز بالنفس مرضي الى حد اعتبار نفسيهما شعبا الله المختارين ،و سالفا أوضحت بعضا من دواعي الانعراج الكبير للسياسة الجزائرية نحو معاداة المغرب و نكران جميله و قلت ان عوامل الايديولوجية و إنبهار بومدين بشخصية جمال عبد الناصر و الأمية السياسية كانت حاسمة في الاوجاع التي نعيشها شمال افريقيا الى حد الان .
لقد شكل إنقلاب بن بلة عن الاتفاقية التي عقدها المغرب مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بزعامة فرحات عباس و التي تخص مسألة الحدود بين البلدين الجارين و التي رفض المغرب نقاشها مع فرنسا الى حين حصول الجزائر على استقلالها أحد الركائز التي جعلت وزير دفاعه بومدين يخطط للانقلاب عليه و اللمعان في معاداة المغرب لانه كان يطمح إلى ريادة شمال افريقيا و زعامته تأسيا و رغبة في مزاحمة جمال عبد الناصر للوطن العربي ككل .
هذا التنكر و الرغبة في التوسع و التشبث بحدود الاستعمار أدى إلى الاستيلاء على أراض مغربية في تندوف و بشار و أراض تونسية و ليبية مهدت لاندلاع حرب الرمال التي كانت دوافعها بالنسبة للمغرب هو الطعنة في الظهر من قبل زعماء وقف معهم في حرب تحريرهم لبلادهم و دوافعها بالنسبة للجزائر هي الهيمنة و تغيير أنظمة الحكم و نشر ايديولوجيا القومية العربية التي وضع أسسها ميشيل عفلق و جمال عبد الناصر في أفق الهيمنة الكلية على شمال افريقيا .
هو تفكير لا يصدر إلا ممن هو جاهل للتاريخ و ذو أحلام وجد أرضيتها النظرية من الإشتراكية و القومية العربية و من زعماء و شعب لم يعرف ما معنى القانون و لا الدولة و لا أسلوب الحكم طيلة قرون من الزمن كان تحت الراية المغربية و من بعدها الراية العثمانية و تلتهما الراية الفرنسية التي افقدت الجزائر هويتها لأنها كانت راية إستيطانية و لم تكن استعمارية ظنا من فرنسا ان الجزائر ستبقى تحت سلطتها كما هي العديد مناطق العالم حاليا .
إذن فالجزائريون و بدعم من المغرب و تونس أساسا و من مصر وجدوا أنفسهم أخيرا في دولة حدد الاستعمار الفرنسي حدودها و شكلت الايديولوجية الإشتراكية و القومية العربية محرك حكمها ،مولود جديد يمكن نسخه على المثل القائل : الويل للمشتاق اذا داق ،فماذا حصل للشعب الجزائري الذي ضحى بالغالي و النفيس من أجل الاستقلال ؟
لقد وجد الشعب الجزائري نفسه محكوما من طرف نخبة لا تجمعها معه إلا الجنسية و الانتماء لحيز جغرافي وليد و جديد فأغمض عينه و اعتبرهم الاباء و المنقدون من مكر التاريخ و اصبح من مريدهم سواء كانوا ظالمين او مظلومين فتشرب سلوكياتهم و نمط تفكيرهم و احلامهم التي بين التاريخ انها باطلة و أوصلت الشعب الجزائري و معه المنطقة إلى إنسداد و معاناة ممتدة طيلة ستين عاما من إستقلالهم .
لنرجع الى مقدمة المقال و السمات الأساسية للتفكير و السلوك عند الجزائريين هذه السمات هي محددات و تجليات العقل السياسي الجزائري ،هي محددات و تجليات تشكل خطرا داهما على شعوب المنطقة و على الوجود الفعلي للدولة الجزائرية التي أصبحت رغم أحلام بومدين و من والاه في كف عفريت و على ابواب الانقراض و الزوال لأنه ببساطة لا وجود الان لشيء إسمه الدولة في الجزائر بل هي عصابات متصارعة لا تفكر لا في إستمرارية تجربة الدولة التي بدأت منذ ستين عاما و بالأحرى تفكر في بناء المغرب الكبير الذي هو حلم كل سكان شمال افريقيا من اجل الوقوف و تجاوز التغيرات و التغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم .
الجزائر جاءتها فرصة تشكيل دولة لأول مرة في التاريخ لكنها لم تستطع استغلالها فتحولت الى قنبلة موقوتة قد تعصف بالنسبج المجتمعي الجزائري و المغاربي في أي وقت و باتت تشكل خطرا داهما على المغرب خصوصا و المنطقة عموما لأنها فقدت بوصلة التصرف الرشيد و أصبحت لا تفكر الا في إستمرار نظام حكمها و من بعد ذلك الطوفان ،و هذا ما سنحاول شرحه في المقال المقبل .
يتبع