آراءثقافة

لقاءٌ مغربيٌ بين الحجّاج الثقفي وجورج أورويل؟

 

هي لازمةٌ في كلِّ عيدٍ:

محكمةٌ… وملفَّاتٌ…

وصوتٌ جاهرٌ آخرُ يدخلُ الزّنَازينَا

قد تتلعثمُ التُّهمُ…

أو تضعُفُ الحججُ…

المهمُّ: فرضُ أحكامٍ ثقيلةٍ وحبْسِ سينينَا

غُمّةُ الحبْسِ تُسابقُ فرحةَ العيد،

والأفواهُ أبوابٌ مصادرةٌ

مُقفلةٌ بشمع النّاقمينَا

والعيد يسألُ في حيرته:

من يُلغي البهجةَ،

ومن ينفخ على كير الحدّاد لمن يَكْوِينَا؟

وأحكامُ نارٍ للكيّ،

وقصاصٌ بقطع لسانِ كلِّ سائلٍ

عن حالِ الفساد والمفسدينَا

القيدُ يضيق على المعصم،

وردودُ الدّفاع مرفوضةٌ

وإنْ صدحتْ قلوبُ المُحامينَا

سعيدةُ تفارقُ حرّيتَها

وتكسرُ أصابعَهَا غضبًا،

فلا قولَ بعد اليوم إلَّا قولُ المدَّعينَا

وفي المساء، جاءني طيفُ أحد الرّاحلين

قلقَ النظراتِ كثيرَ الزفراتِ

من هول ما فينَا

فقال ادريس بن زكري:

كيف الورودُ البيضاءُ التي أهدَيْنَاها

بالأمس غدتْ سوداءَ بغمّ مآسينَا؟

فقلتُ، تفضلّ سي بن زكري إلى

قهوة سوداء بلا سُكّرٍ،

هكذا نشربُها في حزنِ مَرَاثِينا

يموتُ الحِلمُ في قلوبهم،

وتغدو العدالةُ خنساءَ باكيةً،

فنصير نحن مجرّد مُقرئين ومُعزّينا

فردّ مستغربًا: كيف يموتُ الصُّلح،

ويرحل الإنصافُ،

وهل ثمّة أملٌ في مغربِ العاقلينا؟

كيف يفقدُ العهدُ الجديدُ حكمتَه،

والمصالحةُ في أعين العالم

صمّامُ أمانٍ وتصحيحُ خطايا الأقدمينَا؟

تفاديتُ أن أزيد في همومه،

وألاّ تطول الحكايةُ حول ما جرى

بين ريفِ التُّعساء ورباطِ الحانقينا

وأنَّ سنواتٍ عجافًا تتوالى علينا،

فلا عجب أن يصبح بائعُ السّردين القتيلُ

ناصرًا يسكن الزنازينَا

السماءُ تصبُّ مطرا، والريحُ تهب حرة،

لكنهم يمنعون زراعةَ الورود البيضاء

لنُصبحَ بلدَ الأسعدينا

طأطأ رأسه وقال في حسرة:

هم يجدّدون وشمةَ الأصفاد وجمر الأحقاد،

وينكّسون أعلام حقيتتنا وإنصافنا،

فتعود كبوتُنا وَسْطَ تناسينَا

فقلتُ: من يا تُرى يسعدُون باغتيال الفرحة

كلَّ عيدٍ، والعدالةُ سيّدةٌ ثَكْلَى

تنوح على المعتقلينَا؟

في كلّ عيدٍ كبيسٍ،

تبكي حرقةً ونُواحًا على

أبْلَقِنَا وتوفيقِنَا وسُليْمانِنَا ورَاضينَا؟

هي لازمةٌ تنسفُ الأعيادَ القديمة

والأعيادَ الجديدة،

فتحرقُ الدمعَ في مآقينَا

مطرقةٌ ثقيلة تكسرُ الأسنانَ

وتهشّمُ الشّفاه عن الكلام

عبرةً لسائر المنتقدينَا

همْ “مُجرمون” يفترون على حكومة

تزعم أنّها في الحرية

على رأس الأوّلينَا

بل ربيعٌ أخضرُ بين مواسم الكلام،

وجنةٌ لحرية الكلام،

وإنْ كسرتْ معصمَ صِحفّيينَا

حريتُنا فوق كلّ الحريات،

وفي العالم صنَّفُونا في

المرتبة المئةِ والخمسِ والثلاثينَا

لا تسألوا عن نبوغنا في الحرّية،

ولِمَ لسنا في المراتب

العشر، ولا الخمسين الأوّلينَا

طيورُنا لا تصمتُ في الأقفاص مرغمةً،

وإنّما تصنيفُنا ضغينةُ

حقدٍ عند القوّالينَا

بل مؤامرةٌ عظمَى في كلّ عاصمة،

أو نحنُ مُستهدفُون دومًا

من ملايين الحاسدينَا

يتقوّلون على الاستثناء المغربي

في كلّ قاعدة، وأنَّا نموذج

ساطعٌ مُلهمٌ لمن يحتدينَا

لا يعلمون أنّ الكلام مباحٌ في الشيخات

وفرض الحدّ على تارك الصلاة

وما قد يُلهينَا

وأن الإسرافَ في حرية الكلام

عن فساد السياسة رذيلةٌ،

بل خطئيةُ أعتى المجرمينا

لذا يصدر قرارُ الصَّمت بمنع الكلام،

سوى التّبجيل بنفوذ المال

وصولة الجاه والنياشينا

أوقفني بن زكري متأفّفا من فرط الحكاية،

وعيناه تذرف الدمع

على الميّتين خلف الزنازينا

وقال: هل في شريعةِ الحقّ فضيلةٌ،

وكيف يموتُ حمورابي،

واليوم يولدُ حمورابينَا؟

فقلتُ: حريّة الكلام ليستْ نسمةً في الهواء،

بل مزاجُ أطوار اليوم

حسب طقس حمورابينَا

قرارُ الصمت يترقّب القطيعَ مسالمًا،

فنعمَ النعاجُ والخرفانُ،

وبئسَ من يزأر من الأسود الغاضبينَا

لكل زمان “كليلةٌ ودمنةٌ” و”مزرعةُ الحيوان”،

فمن يريدها مزرعة حصرية

فقط للمخصيينا؟

فقال إنّ زرقاءَ اليمامة زارتْهُ في المنام،

وأنها رأت أوفقير حيًّا والبصْري

يعود من عهد الأقدمينا

وأنّ جورج أورويل جاء متخفّيًا

يروي حكايات الأخِ الأكبرِ العالقِ

في “عام أربعةٍ وثمانينَا”

فقلتُ: هل يعودون من زمن الرصاصِ

وجمر الإخراسِ،

ألمْ يرحلوا عن زماننا،

أم يصيرون اليوم آل هَامَانِنَا؟

أو يبُعثُون حفذةَ الحجاج من جديدٍ

في غير عراقٍ، ويقطفون الرؤوس يانعةً

على طريقة الجلاّدينا

أيُّ آل الحجاج يرون رؤوسًا عنيدةً

حان قِطافُها، أو خوارجَ يرمونهم

بالأحكام إلى الزّنازينَا؟

من تناسْوا مصالحةَ العهد الجديد،

من اعتقلوا حقيقتَنَا وإنصافَنَا،

واغتالوا حكمتكَ عمدا وبقية بن زَكْرِيِّينَا؟

فقال والدمعُ منجرفٌ على خدّه

كبقية المعزّين الباكينا

هم يرفسُون على وجه مصالحتنا وذكرانا،

هم ينسخون من سجلّ الجلادينَ

ويكرّرون عذابات

المختفينَ والمحكومينَا؟

أسفي على عهدٍ جديدٍ تناسى عهودَه،

واليوم يبيعُ آمال مستقبلنَا

بأسوء سلعةٍ فاسدةٍ من ماضينَا

فسألتُه: هل لا زال لِبَنْ زَكْرِي رفاقٌ أوفياءٌ،

أم أنّ المناصب أنستْهُم بكاء الأطفال

عن الأمهات والآباء الغائبينا؟

فقال متأسّفا: هم لم يعلنوا وأدَ المصالحة رسميا،

لكن أنينَ المسجونين يزيد

بلعنة الأوفقيرينا والبصريينا

ومُخبرو الأمس غيّروا ملابسهم ونظاراتهم،

واليوم ينوب بيغاسوس عن

مقدّمينا وثعابيننا وحرّاس مقاهينا

هم قرّرُوا عودةَ الخريف الأسود

والسماء الكبيسة، وقالوا:

لا ربيع سيأتي هذا العام دون أوامرنا ونواهينا

فقلتُ وأنا أشرب القهوة السابعة بلا سُكّر:

يا ترى من يكون آلُ الحجاج الجددُ؟

وأين ستمتد السيوفُ حادًّة ببطش الأموّيينا؟

وهل صار مغربُ اليوم

مجرّد ملاحقاتٍ وأحكامٍ، وسجلَّ أحزانٍ،

وتوسيعِ السجون لكثرة معتقلينا؟

https://anbaaexpress.ma/3ioEy

محمد الشرقاوي

باحث مغربي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى