برلين: محمد نبيل
أثار فيلم “الضوء” للمخرج الألماني توم تيكوير، الذي افتتح الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان برلين السينمائي، ردود فعل متنوعة في الصحافة الألمانية، حيث تباينت الآراء بين الانتقاد الحاد والإشادة الإيجابية.
الفيلم، الذي يسلط الضوء على قضايا اجتماعية معقدة ويجمع بين الدراما والمشاهد الموسيقية، لم يخلُ من إثارة الجدل، لكن في الوقت نفسه قدم رؤية سينمائية غير تقليدية استقطبت اهتمام النقاد والجمهور على حد سواء.
الصحافة الألمانية: بين النقد والاعتراف
صحيفة “برلينر تسايتونغ” وصفت الفيلم بأنه “مزيج من الدراما والمشاهد الموسيقية”، مشيرة إلى تصويره للعائلة الألمانية المفككة والعلاقات الإنسانية المعقدة التي تعيشها في ظل التحولات الاجتماعية الحديثة. ويعتبر هذا التصوير دقيقًا في التقاط التوترات العاطفية التي تظهر داخل الأسر المعاصرة، مع التركيز على انعدام التواصل والابتعاد عن القيم التقليدية.
أما صحيفة “التاتس”، المقربة من الدوائر اليسارية، فقد تناولت دور الشخصية السورية اللاجئة “فرح” في تحفيز التغيير داخل العائلة. وأكدت الصحيفة أن فرح، رغم خلفيتها الصعبة، تملك “المعرفة النفسية” التي تُضيف بُعدًا جديدًا للعائلة الألمانية المتفككة. تضيف الصحيفة أن الضوء، الذي يشير إليه عنوان الفيلم، يصبح عنصرًا محوريًا في الحبكة، حيث يدخل الضوء المتقطع في مشهد دقيق يعكس تغيرًا في داخليتها وداخل الشخصيات الأخرى.
الضوء، الذي يبدو كعنصر مادي، يحمل بعدًا نفسيًا ورمزيًا يرتبط بهروب فرح من سوريا وأوجاعها الداخلية.
وجهات نظر نقدية أخرى: مشاهد عميقة وأداء مميز
أما مجلة “سكرين” الناطقة باللغة الإنجليزية، فقد أشادت بطاقم الممثلين، معتبرة أن الأداء كان أحد أقوى عناصر الفيلم. وأكدت المجلة أن المشاهد البسيطة في المنزل، مثل الشجار والعلاقات المتوترة بين الأم وابنتها، شكلت لحظات من القوة الدرامية التي أضافت عمقًا للأحداث.
هذه اللحظات الصادمة بين الشخصيات لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت بمثابة انعكاس لواقع أسرية مليئة بالتحديات والصراعات النفسية، ما جعلها مشاهد مؤثرة ولا تُنسى.
الفيلم: بين الرمزية والواقعية
ورغم ما حققه الفيلم من إشادة في بعض النقاط، إلا أنه لم يخلُ من النقد. هناك من اعتبر أن الفيلم كان مليئًا بالرمزية التي قد تكون صعبة الفهم للجمهور العادي، ما أدى إلى بعض الارتباك في نقل الرسالة. لكن من جهة أخرى، ترى بعض الأوساط النقدية أن الرمزية الزائدة كانت بمثابة وسيلة لإيصال معاناة الشخصيات بطريقة فنية وملهمة.
تباين الآراء واستمرار النقاش
بالتأكيد، لا يمكن القول إن “الضوء” قد نال إعجاب الجميع، لكن الفيلم فتح مجالًا للنقاش حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، مثل الهجرة، والهوية، والتحولات العاطفية داخل الأسرة الحديثة. ومع هذا التباين في الآراء، يبقى “الضوء” فيلمًا يفرض نفسه بقوة في المشهد السينمائي المعاصر، ويستحق المشاهدة للتفاعل مع موضوعاته الشائكة وللاستمتاع بتجربة سينمائية غير تقليدية.