تقاريرحديث الساعة
أخر الأخبار

تقرير.. حول الأزمة المغربية الجزائرية ونزاع الصحراء المفتعل ومحاولة الجزائر الولوج إلى الأطلسي

من هنا يمكن القول بأن موقف الجزائر من قضية الصحراء المغربية لم يكن فقط لدعم البوليساريو، بل كان أداة استراتيجية لمنع المغرب من الهيمنة على شمال وغرب إفريقيا، مما دفع الجزائر من محاولة إيجاد خطط بديلة، منها الترويج لتقسيم الصحراء حتى لا يخرج المغرب رابحًا بشكل كامل

إعداد مشترك: عثمان بنطالب و عبد الوهاب الكاين

حديث الساعة.. مع إستمرار الأزمة السياسية والدبلوماسية بين البلدين “المغرب والجزائر”، بالإضافة إلى الصراع المفتعل الذي طال امده حول الصحراء المغربية، والدعم الجزائري المستمر العسكري والسياسي لجبهة البوليساريو في مواجهة المملكة المغربية، تتوصل أنباء إكسبريس بشكل مستمر بعشرات الرسائل من أجل إصدار تقرير توضيحي لرأي العام الإقليمي والدولي بخصوص حيثيات هذا النزاع الإقليمي وماهي الأسباب؟ ومن هو المستفيد؟ وماهي طموحات النظام الجزائري..؟

هناك عدة نقاط ومحاور مفصلة في هذا التقرير المشترك من إعداد عثمان بنطالب الناشط الحقوقي الدولي والخبير في الشأن المغاربي والحقوقية عبد الوهاب الكاين رئيس منظمة أفريكا ووتش.

قبل كل شيء لابد من الإشارة، إلى نقطة مهمة تحيل إلى تغيير الموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية.

كانت الجزائر سابقا تدعي أنها تدافع عن “حق تقرير المصير”، الصحراويين، لكن دعمها هذا كان بهدف تقسيم الصحراء، وقد أصبح يظهر جليا في رغبتها القوية من الوصول إلى المحيط الأطلسي، من خلال سياستها ومصالحها الجيوسياسية.

حيث أن الجزائر لطالما دعمت فكرة استفتاء تقرير المصير الذي يمنح الصحراويين الاختيار بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب.

لكن مع تعثر هذا الخيار بسبب فشلها السياسي والدبلوماسي الواضح، ظهرت أطروحة تقسيم الصحراء كحل وسط، وهو ما يتناقض مع موقف الجزائر الأصلي السابق القائم على مبدأ “لا للحلول المفروضة”.

من هذا المنطلق وجب التوضيح، لماذا تدعم الجزائر تقسيم الصحراء؟

أولا، من أجل الحفاظ على النفوذ، والعمل على استمرار النزاع دون حل، حتى لا تفقد الجزائر التأثير على البوليساريو، لذا، فإن أي حل يعمل النظام الجزائري على إفشاله، لضمان دور مستقبلي في المنطقة.

من أجل أن تحصل على ممر إلى المحيط الأطلسي، فإن تقسيم الصحراء في نظر الجزائر يمكن أن يؤدي إلى منح البوليساريو إقليماً ساحلياً صغيراً، وهو ما يمكن أن يكون في مصلحة الجزائر إذا تم التوصل إلى إتفاق يسمح لها باستخدام هذا الممر.

وهذا ما أظهر تناقض الجزائر مع مبادئها، خصوصا في ظل ضغوط دولية وإقليمية، وبضبط مع تغير مواقف بعض الدول الكبرى مثل أمريكا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا لصالح المملكة المغربية، حيث وجدت الجزائر نفسها مضطرة لتقديم خيارات بديلة بهدف استمرار النزاع.

لهذا أصبح من الضروري أن يعلم الرأي العام بأن الجزائر كانت دائماً تقول إنها ليست طرفاً مباشراً في النزاع، لكنها الآن تروج لحل لا يستند إلى استفتاء تقرير المصير، مما يعكس تناقضاً سافرا مع مواقفها السابقة، بعد أن أدركت الجزائر بأن استقلال الصحراء بالكامل أصبح غير واقعي في ظل التحولات الجيوسياسية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، ومما عقد الأمور وهي الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

وجدير بالذكر، فإن الموقف الجزائري من الصحراء المغربية يتجاوز مجرد دعم حق تقرير المصير، بل هي خطة ممنهجة واستراتيجية من أجل إضعاف المملكة المغربية ومنعها من أن تصبح القوة الإقليمية المهيمنة في شمال وغرب إفريقيا.

وممكن الإشارة لهذه الاستراتيجية من عدة زوايا، وذلك من خلال منع المغرب من الوصول إلى عمقه الإفريقي.

حيث تدرك الجزائر أن توسع النفوذ المغربي في إفريقيا سيجعله لاعبًا رئيسيًا يتجاوز نفوذها، لذلك تسعى إلى إبقاء النزاع مفتوحًا كوسيلة لعرقلة هذا التوسع.

بالإضافة إلى أن المغرب نجح في المنافسة الاقتصادية والاستراتيجية، وذلك في ربط اقتصاده بالدول الإفريقية من خلال مشاريع كبرى على سبيل المثال:

– أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، الذي ينافس المشروع الجزائري مع نيجيريا.

– الاستثمارات البنكية والفلاحية، حيث أصبحت الشركات المغربية من أبرز اللاعبين في عدة دول غرب إفريقيا.

– المبادرات الدينية والثقافية، خاصة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة التي ترى في المغرب نموذجًا تاريخيًا للإسلام المعتدل.

لهذا النظام العسكري الجزائري، يدرك جيدا أن هذا الزخم المغربي يهدد مكانته كقوة إقليمية، لذلك فهو يحاول إبقاء المغرب منشغلاً بقضية الصحراء، ويقدم الغالي والنفيس ويبدد ثروات البلاد من أجل التشويش والإطاحة بالمشاريع التنموية للمملكة المغربية.

كما تحاول الجزائر عزل المغرب عن الساحل والصحراء، وتدعم الأنظمة المنافسة للرباط في إفريقيا، لكن المغرب كسر هذا الحصار.

رغم كل الضغوط نجح المغرب في خلق تحالفات جديدة مع الدول الإفريقية، خاصة في غرب إفريقيا، مما جعل الجزائر تفقد تأثيرها في بعض المناطق.

من هنا يمكن القول بأن موقف الجزائر من قضية الصحراء المغربية لم يكن فقط لدعم البوليساريو، بل كان أداة استراتيجية لمنع المغرب من الهيمنة على شمال وغرب إفريقيا، مما دفع الجزائر من محاولة إيجاد خطط بديلة، منها الترويج لتقسيم الصحراء حتى لا يخرج المغرب رابحًا بشكل كامل.

وللإشارة كذلك بعد الاعتراف الأمريكي أصبح الاتحاد الأوروبي يميل أكثر إلى المغرب، خصوصا بعد تحول مواقف إسبانيا وألمانيا وفرنسا لصالح المغرب، حيث بات واضحًا أن أوروبا لم تعد مستعدة لدعم أطروحات الجزائر كما كان في السابق.

أما بخصوص القوى العظمى مثل روسيا والصين فهم غير ملتزمتين بدعم الجزائر:

أولا: روسيا، ورغم علاقاتها القوية مع الجزائر، لم تظهر أي دعم حقيقي لأطروحة الانفصال (الدولة الوهمية)، بل تحاول الحفاظ على علاقتها الجيدة مع المملكة المغربية.

ثانيا: الصين، رغم أنها الشريك التجاري الأكبر للجزائر، فإنها تعتمد سياسة براغماتية، حيث تستثمر بكثافة في المغرب ضمن مشروع “الحزام والطريق”، ما يعني أنها لا تريد الدخول في مواجهة مع الرباط.

من هذا المنطلق أصبحت الجزائر في عزلة إقليمية ودولية، خصوصا مع الأزمة مع فرنسا، حيث العلاقة بين البلدين متوترة بسبب الملفات التاريخية والهجرة.

كذلك الجزائر تعيش الخلافات مع دول الجوار، من بينها ليبيا التي تفضل التعامل مع المغرب كوسيط في أزمتها السياسية.

أما دولة تونس التي تعاني اقتصاديا، لا تريد الدخول في صراع غير مجدي ولا يخدم مصالحها بين المغرب والجزائر.

بالإضافة موريتانيا أصبحت أكثر ميلاً للمغرب بسبب مشاريع اقتصادية مشتركة، كما أن الجزائر تعرف عدةالخلافات مع دول الخليج، خصوصا مع دولة الإمارات والسعودية، اللتين تدعمان المغرب سياسيًا واقتصاديًا.

وقبل الدخول في تفاصيل أكثر من هذا التقرير المهم، الجزائر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، أصبحت غير قادر على المنافسة بسبب اعتمادها فقط على المحروقات، وهو ما يجعل اقتصادها هشًا أمام التقلبات العالمية، بالإضافة إلى غياب بنية اقتصادية متكاملة.

لهذا الجزائر لن تنجح في تقسيم الصحراء المغربية رغم محاولاتها، المغرب بشكل ميداني يسيطر فعليًا على أكثر من 80% من الإقليمية الجنوبية، ويدير المنطقة عبر مشاريع تنموية ضخمة، تخدم مصلحة أبناء المنطقة، أما البوليساريو نفسها فهي في موقف ضعيف وتعاني من انقسامات داخلية.

الصحراء المغربية

أحقية المغرب في بسط سيادته على الأقاليم الجنوبية للمملكة

لهذا يمكن التوسع أكثر، وذلك بأن عمر النزاع المفتعل حول أحقية المملكة المغربية في بسط سيادتها على الأقاليم الجنوبية خمسة عقود، وعقدها تعرف تحديات تراوحت بين الإرادة واللاإرادة، والرغبة في حل النزاعات بطرق سلمية بالتعنت والعنجهية، والقدرة على التطور والتصالح مع الماضي مهما علت تكلفته بالإمعان في ارتكاب الأخطاء والانتهاكات على نطاق واسع، وسياسة اليد الممدودة بالبحث عن أي سبيل لإضعاف الجيران وإظهارهم بمظهر الوهن والانكسار والتفتت.

نزاع الصحراء المغربية يعكس وجهتي نظر مختلفتين حد التناقض، إحداها تمثل الجانب المغربي الذي قدم كل شيء من أجل حقن الدماء وحفظ كرامة الأشخاص الصحراويين المتواجدين بمخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر، مجتهدا في تحسين أدائه الديبلوماسي المشهود له بالاعتدال والكفاءة السياسية والخطاب الوسطي واحترام الأخر، بغض النظر عن تماسك أو تدهور علاقاته به، والمبادرات الاستباقية وطنيا وإقليميا ودوليا، والتي أصبحت مثار اهتمام الخصم قبل الصديق، وعلى رأسها مقترح الحكم الذاتي الذي منح الصحراويين صلاحيات واسعة لتدبير شؤونهم بأنفسهم.

ووجهة النظر الثانية، التي تمثل الجمهورية الجزائرية، “النظام العسكري” والمستندة لأحقاد مكونة من رواسب ما زالت عالقة من تاريخ المنطقة القديم، والمرتبطة أساسا بطبيعة الأنظمة المتعاقبة على حكم المنطقة وفترات حكمها وتبعيتها لقوى أجنبية، وعقدة تشكل نموذج الدولة بالجزائر بموجب المرسوم الفرنسي على أرض تلك المنطقة التابعة تاريخيا الى الخلافة العثمانية.

اتخذت مناورات الحكومات الجزائرية المتعاقبة أشكال مختلفة تلتحف شكل عمليات استخبارية تارة و إلى محاولة الاستمالة دبلوماسيا تارة أخرى، وترفع ورقة الدعم الاقتصادي في فترات متفرقة، وفي سياقات أخرى تحاول العزف على وتر حقوق الإنسان.

بالإضافة إلى محاولة النيل من رموز المملكة المغربية عن طريق تجييش فئات واسعة من جماعات الضغط وصحافة الحاجة والمؤثرين المحليين في فضاءات رفيعة المستوى، كشفت عقم ساسة الجزائر منذ فجر الاستقلال.

ونعتقد أن عدم التعمق في تحليل منطلقات السردية الجزائرية في ارتباط بنزاع الصحراء يرتب أثرا سلبيا على متطلبات كشف الحقيقة وحفظ ذاكرة المنطقة وترجيح القناعات بشأن الصراع وتتقوى رغبات تثبيت الأكاذيب في شكل حقائق يتم التذرع بها في مختلف المنتديات الدولية للضرب في مصالح المغرب والاستماتة في الإساءة إليه بأي ثمن.

إن تشبث حكام الجزائر في قصر المرادية بخطاب حقوق الإنسان الرومانسي والتعلق بأهداب تقرير المصير والثروات وقضية اللجوء وإنهاء الإستعمار، لا يمكن أن يترك عليها للصدفة، إذ ينبغي تقديم وجهة نظر فاحصة للسياقات والقانون الدولي والممارسة الدولية والواقعية السياسية ومبادئ القانون الدولي وسياق النزاع وتطلعات الصحراويين، لكسب مناعة معرفية وفكرية للرد على تلك المزاعم، ويتمحور هذا الإستقراء على تفكيك خطاب الجزائر بشأن المراوحة بين التشبث بفكرة تقرير المصير ومشاريع تقسيم الإقليم، وانخراطها في الصراع.

في البدء هي قضية مصطنعة

منذ عقود يتم الترويج لتنامي فكر ثوري لدى الصحراويين، انعكس في قيام كفاح مسلح ضد الإسبان، ولم تنطفئ جذوته باسترجاع المملكة المغربية لأقاليمها الجنوبية في العام 1975، وقد انساق كثيرون وراء تلك الشعارات البراقة التي كانت تصنع أملا مزيفا للكثيرين ممن أمن بفكرة تشكيل دولة خاصة بـ”الصحراوي” غير عدم واقعية الطرح لأسباب منطقية تتعلق باستحالة تأسيس كيان دولتي غير كامل الأركان على أساس الانتماء القبلي أو الإثني.

وظلت زعامات البوليساريو تروج لأطروحات لم تكن للأسف من ابتكارها، للتحكم في الجماهير وتطويعها بشكل ناعم ليسهل انقيادها لاي خطوة لاحقة، قد تكون صادمة لولا إخضاعها لعملية تنويم طويلة الأمد.

إن طرح أسئلة من قبيل كيف نشأت الفكرة؟ وهل تم التحضير لها صحراويا؟ وبأية وسائل وغايات؟، كفيل بمعرفة مدى صدقية ما روج له الإعلام الجزائري وخلايا التلقين الثوري المسموم بمخيمات تندوف على مر السنين، وتكوين رأي معزز يتوكأ على الحقيقة العلمية والميدانية وأرشيف الفاعلين الرئيسيين في صناعة الصراع من خارج الإقليم وبتمويل سخي وتحكم يخطط له في عواصم وينفذ على أرض لحمادة، وجعل محتجزي البوليساريو “فئران تجربة” لمشروع انفصالي خبيث ولد ميتا، لعدم أصالة الفكرة.

لم تكن للصحراويين نية في جعل مستقبلهم سوداويا في أرض خلاء، لم يشكلوا يوما جزءا من فضائها ولا من الفسيفساء المجتمعي المشكل لتلك المنطقة، وهم الأكثر التصاقا بأرض الصحراء، وقدموا تضحيات جسام ضد المستعمرين الاسبان والفرنسيين والبرتغال في حقب مختلفة من الزمن، وفي غفلة من الزمن أصبحنا أمام حركة سياسية تتخذ من الكفاح المسلح سبيلا للانفصال عن المغرب وضرب استقراره والتأثير في المحيط القاري والدولي ضد وحدته الترابية.

فالمتتبع لمخاض ولادة البوليساريو، يجد أن فكرة انبعاث حركة مسلحة بمنطقة الصحراء كانت بإشراف مباشر من معمر القذافي، عقب خطابه الشهير بشنقيط سنة 1972، وقوله إن قضية الساقية الحمراء وواد الذهب قضيته وأن ليبيا ستتحمل مسؤولية إشعال حرب تحرير شعبية في المنطقة.

ليس سرا أن يصرح الدكتور محمد سعيد القشاط ممثل العقيد القذافي الخاص لشؤون حركات التحرر التي انشاتها ومولتها ليبيا ارضاءا لنزوعات القائد الفاتح، أنه وقع عليه الاختيار لتنفيذ أمر الثورة في الساقية الحمراء وواد الذهب، وانتقل يصول ويجول في القطر الموريتاني سنوات 1972 و1973 و1974، لأغراض الإعداد والتحريض والتكوين العسكري والدعم المالي واللوجستي ودراسة المنطقة دراسة مستفيضة، شملت معرفة جغرافية المنطقة وقبائلها وصراعاتها على النفوذ وإذكاء الوعي القومي والوطني ومحاولة استنبات فكرة الشعب، لاستحضار مشروع حركة التحرير الموصل إلى بناء الدولة المستقبلية، ودراسة إمكانية استجابة المثقفين والمتعلمين للثورة ودفع فئات السكان العريضة لتقبل والتماهي مع مشروع إشعال حرب تحريرية وتشكيل الخلايا وضمان إيصال مساعدات القذافي لهم أينما كانوا ودراسة الأرض والتنقيب عن الأماكن الملائمة لاستقبال وإيواء “الثوار”، وتحضير خريطة مفصلة بالطرق الكفيلة بتوصيل الأسلحة والذخائر، والتسويق الإعلامي والدبلوماسي “للثورة” الوليدة، بالإضافة إلى تأسيس قاعدة شعبية داعمة في موريتانيا.

وأصبح معروفا لدى العامة، أن الجزائر، تولت أمر دعم وتسليح تنظيم البوليساريو بعد الجمهورية الليبية لأغراض تخدم مصالحها، وعلى رأسها الانتقام من صلابة وقوة الرد المغربي على الانتهاك الجزائري للأراضي المغربية في منطقة أمكالا، والتي شكلت بداية مرحلة من تعقيد العلاقات بين الجارين المتنافرين وساهم نحو حكام الجزائر نحو الانكفاء على أنفسهم وإحساسهم بالذل والدونية أمام بسالة الجيش المغربي الذي لم يدخر من جهد لحماية الحدود بقيادة ملك عارف بتحديات الدفاع عن وطنه.

فهل يمكن الاستمرار بالاعتقاد أن حركة البوليساريو وليدة تنامي وعي ثوري محلي لبناء دولة صحراوية على أرض الصحراء في ظل توفر تلك المعطيات والشروحات التي رافقت نشأة جبهة البوليساريو؟

سيمفونية اللجوء والفهم الخاطئ للقانون الدولي

عانى الصحراويون القاطنون بمخيمات تندوف “المحتجزين” من حالة من الفوضى السائدة في تلك المنطقة منذ إنشاء تلك المخيمات في جنوب غرب الجزائر عام 1975. ويزداد وضع هؤلاء الأشخاص قتامة، حيث يفتقرون إلى أي وضع قانوني للاجئين يحميهم في تلك المخيمات ويضمن تمتعهم بالحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين للعام 1951 وبروتوكولها المتعلق بوضع اللاجئين.

يخضع آلاف الصحراويين في مخيمات تندوف لسلطة تنظيم عسكري يدعى جبهة البوليساريو، ويدير هذا التنظيم المخيمات إدارة كاملة، بناء على تفويض شامل للولاية القضائية والقانونية والتدبيرية للدولة المضيفة للمخيمات منذ خمسة عقود، وفي ظل غياب أي رقابة دولية على وضع الحقوق والحريات في تلك المنطقة.

ويتعرض الصحراويون في المخيمات لعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، واختفاء قسري واسع النطاق، وتعذيب، ومعاملة مسيئة ومهينة، على أساس اللون، والعرق والانتماء إلى فئات اجتماعية محددة، والآراء السياسية بسبب عدم حيازتهم لمركز قانوني محدد للتمتع بحماية أممية أو دولية من الانتهاكات.

منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عزلت أجهزة الأمن التابعة للبوليساريو مئات الأشخاص من قبائل معينة، وأخفتهم قسرا، وعذبتهم تعذيبا وحشيا لسنوات طويلة.

قام تنظيم البوليساريو بتوزيع فئات واسعة من الصحراويين على ثلاث شبكات رئيسية، هي شبكة “اكليبات الفولة”، وشبكة “تكنة”، و”الشبكة الفرنسية الموريتانية”.

واتهموهم بالتجسس لصالح المغرب وفرنسا، لتقديم مبررات واهية لسكان المخيمات لتأليب الرأي العام المحلي ضدهم، واستغلال موجات الشحن الأيديولوجي الموجهة إليهم قصد تعذيبهم وتصفيتهم، على خلفية أحقاد وصراعات قبلية متجذرة، قبل عقود من تأسيس منظمة البوليساريو.

وتأسيسا على ذلك، فإن تعريض الصحراويين في المخيمات للانتهاكات الجسيمة ليس أمرا عابرا فرضته ظروف إنشاء المخيمات، بل هو ممارسة ممنهجة يلجأ إليها تنظيم البوليساريو كلما أرادت شن حملة ترهيب ضد سكان المخيم، من خلال استهداف الأقليات أو المثقفين أو أعضاء التنظيم المطلعين على أسرار وانتهاكات قيادة البوليساريو، كما حدث مع الدكتور الخليل أحمد بريه، الذي أصدرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان قرارا لصالحه تدين فيه السلطات الجزائرية لمسؤوليتها عن اختطافه.

فتلكؤ الجزائر عن تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 1920 و 2218، والذين يدعمان مطلب إحصاء قاطني مخيمات تندوف عبر آلية الحوار الفردي، للتمكن من تحديد اللاجئين من المحتجزين، والصحراويين من غير الصحراويين ممن فضلوا الاقامة بالمخيمات، لأن تقرير المصير عبر الاستفتاء، يتطلب تحديد لوائح الصحراويين المعنيين بالاستفتاء، وهو ما يصطدم برفض قاطع لتنظيم البوليساريو والسلطات الجزائرية الحاضنة للمخيمات، لعملية إحصاء صحراويي المخيمات، يوقد شكل هذا الرفض عرقلة رئيسية لمختلف المبادرات ذات الصلة بتقرير المصير.

ولذلك يجمع الكثير من الباحثين والخبراء في القانون الدولي على أن وصف صحراويي تندوف باللاجئين فيه الكثير من التحامل على حقوقهم المشروعة بمقتضى أحكام القانون الدولي، لان الوضعية الحقيقية لهؤلاء المحتجزين الصحراويين تدخل في خانة حالات انعدام الجنسية المنتشرة بالمخيمات، على الرغم من التمتيع الواسع النطاق حول مخاطرها، وإمكانية تعرضها الأشخاص الخاضعين لحالة انعدام الجنسية للانتهاكات لحقوق الإنسان، ولذلك فإن المسؤولين على شؤون المخيمات وسلطات الجزائر لا يودون السماح بإجراء إحصاء شامل لسكان المخيمات، لما يستتبع هذه الخطوة من تقنين لمراكزهم القانونية وشمولهم بحماية قانونية أممية وبسط لولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

المطالبة بتطبيق مبدأ تقرير المصير والقراءة الأحادية للتوصية 1514

لعل من نافل القول الإقرار بحدوث تغييرات جوهرية في نزاع الصحراء، تضعف مصداقية مطالبات الجزائر والبوليساريو بتقرير مصير للإقليم مفض إلى الانفصال عن المملكة المغربية.

فبينما تتجه رغبات أغلبية السكان الصحراويين في الإقليم إلى اختيار الاندماج في المملكة المغربية عبر إبتكار توليفة سياسية تحفظ حقوقهم وحرياتهم على أرضهم، كللت باقتراح المملكة المغربية لخطة للحكم الذاتي الموسع سنة 2007، كحل سياسي للصراع، بعد عقود من التشرذم الذي قطع أوصال الصحراويين على ضفتي الجدار الأمني، وتنامي عودة الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف للاستقرار بالأقاليم الجنوبية والاندماج في النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أو بباقي جهات المغرب أو بالفضاء الأوروبي، وهو ما ينفي حقيقة عدد السكان المصرح به.

ويبرز هذه الحقيقة مغادرة الآلاف من الصحراويين للمخيمات مخافة التعرض للانتهاكات أو مقايضة أفراد من عائلاتهم بالاحتجاز في المخيمات مقابل بقائهم مرتبطين بالبوليساريو، لأن حرية التنقل منعدمة، ويتطلب التنقل والسفر من المخيمات ترخيصا خاصا من جبهة البوليساريو ومن السلطات العسكرية الجزائرية، وتؤثر سياسة الإغلاق المتبعة بمنطقة تندوف في بناء الاختيارات والقناعات في علاقة بفكرة تقرير المصير.

ولذلك فاستمرار النظر في ملف الصحراء أمام اللجنة المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة)، يصنف الملف موضوعيا ضمن سجل المسائل السياسية الخاصة كإحدى اختصاصات اللجنة الرابعة أيضا، كملف ذي الصلة بأرض متنازع عليها، وليس في إطار إنهاء الاستعمار، لأن وضع الملف باللجنة سنة 1966، تم من طرف المملكة المغربية من أجل تصفية الاستعمار الاسباني.

وبالمناسبة ظلت مخيمات الصحراويين بتندوف جنوب غربي الجزائر مسرحا للكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تراوحت بين عمليات تطهير عرقي وجرائم حرب وعمليات قتل خارج نطاق القضاء واختفاءات قسرية و اختطافات وتعذيب ممنهج وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ويوجد القلل من الوثائق الأكاديمية التي تدين تلك الاعمال الوحشية أو تشير لها، بالرغم من إدانة وشجب كبريات المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتوصيات اليات الأمم المتحدة الدولية لحماية حقوق الإنسان للسلطات الجزائرية بضرورة إنهاء تفويض ولايتها القانونية والقضائية والتدبيرية لحركة البوليساريو المسلحة التي جعلت من مخيمات تندوف سجنا مفتوحا لأزيد من 80 ألف صحراوي لاستدامة حكمها وضمان انتفاع قياداتها وأفراد عائلاتهم من الريع الناتج عن بيع وتهريب المساعدات الإنسانية الموجهة لقاطني المخيمات.

وقد يجد الباحث ضالته بتفحص توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (CCPR/C/DZA/CO/4) وتقرير الأمين حول الحالة في الصحراء لسنة 2018 (S/2018/889) وتقارير الفريق العامل المعني بالية الاستعراض الدوري الشامل (A/HRC/36/13) و (A/HRC/52/12)، ومئات الوثائق الأممية وتقارير المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان بالإقليم وبمختلف مناطق العالم، والتي تثبت بما لا يدع مجالا للشك تورط البوليساريو والحكومات الجزائرية المتعاقبة في قمع والتنكيل بالصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف، ضد على رغبتهم في الرجوع إلى أرضهم ولم شمل عائلاتهم بشكل يضمن كرامتهم، بعيدا عن حملات الشحن الأيديولوجي لحساب قوى إقليمية تبحث عن موطئ قدم على المحيط الأطلسي.

ولهذا، فإن الحاجة ملحة لتنبيه حكام الجزائر ومختلف مشايعي تنظيم البوليساريو ودارسي القانون الدولي إلى أن قرارات الجمعية العامة 1514 و1541 لسنة 1960، والقرار رقم 2625 لسنة 1970، تركت لمنظمة الأمم المتحدة حرية التصرف فيما يتعلق بالأشكال التي يجب تنفيذها في ممارسة الحق في تقرير المصير، اعتبارا لأن تطبيقه يتم عبر عدة أشكال بما في ذلك وحدة البلدان (القرار 1541).

كيف يرى العالم نزاع الصحراء؟

إن أي محاولة لهم معمق لنزاع الصحراء، سيقود إلى نتيجة حتمية تتلخص في أن المشكل هو تنازع بين توجهين، احدهما يدافع عن الإنضمام للمملكة المغربية والأخر ينحو في اتجاه الانفصال عنها، ولا علاقة له بقضية تصفية استعمار، لأن وضع الملف في لجنة المسائل السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار (اللجنة الرابعة)، تم من طرف المملكة المغربية بهدف فتح النقاش في بدء مسار تصفية الاستعمار الإسباني.

حيث أن وضع الملف باللجنة سنة 1966 كان بغرض انهاء استعمار اسباني قائم، وليس تلبية لمطالبات تنظيم البوليساريو، لانها لم تتأسس بعد، فالأمر لا يتطلب تقرير مصير بقدر ما يحتاج إلى حل سياسي متوافق عليه، بابعاد إنسانية لطبيعة النزاع، الذي قد يقسم روابط عائلية عصية على الانفصام بسبب قناعات أفرادها المتناقضة.

وقد لا يستقيم حل خارج إطار مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف الدولة المغربية سنة 2007، لأنه يعكس حلا سحريا وواقعيا لنزاع لم تشأ السياقات الإقليمية والدولية أن يعرف طريقه للحل، بسبب سوء نية بعض اطرافه، لكسب الوقت لضمان ولوج أمن للمحيط الأطلسي على حساب لم شمل السكان المحتجزين بالمخيمات بأفراد عائلاتهم، بالإضافة إلى طبيعته كحل وسط ما بين الاندماج الكلي في المملكة المغربية أو الانفصال عنها، وهو ما قلص مطالب الانفصال إلى الصفر، لحساب الانخراط في تدبير الشأن العام السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

ختاما.. لقد أصبحت الجزائر الآن بصفتها الدولة الحاضنة والداعمة للانفصال تعيش عزلة إقليمية ودولية وأزمة اقتصادية خانقة، بسبب سياستها الخارج عن السياق تسعى اليوم إلى فرض خيار تقسيم الصحراء المغربية كآخر ورقة لمواجهة المغرب.

لكن الواقع السياسي والاقتصادي لم يعد في صالحها، حيث إن المملكة المغربية المغرب أصبحت القوة الإقليمية الصاعدة، بكل المقاييس في حين أن الجزائر تتراجع بسبب سياساتها المتصلة والفاشلة.

إذن السؤال المطروح والجوهري الآن: هل ستستمر الجزائر في هذا النهج رغم فشلها الذريع؟ أم أن الأزمة الداخلية التي تعيشها البلاد قد تدفعها إلى مراجعة سياساتها؟

https://anbaaexpress.ma/pmjga

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي وإعلامي خبير في الشأن المغاربي مدير عام أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى