آراءثقافة

حاجتنا إلى مارتن لوثر إسلامي

بحث في الثقافة الموازية

المجتمع الإسلامي مجتمع إنساني متسامح مفتوح لكل الآراء والاتجاهات، ولكن هذا كلام نظري ومع أن القرآن فتح الطريق لحرية الاعتقاد اعتناقا وتغييرا بآية “لا إكراه في الدين” ولكن الثقافة الموازية عطلت هذه الآية عملياً، ويقول البعض أن من يغير عقيدته يقتل.

واليوم في الغرب يغير الإنسان عقائده مثل ثيابه ولا يخشى على نفسه من القتل، فمن أين أذن جاء حكم (قتل المرتد؟) هل هو حكم فقهي فعلاً ؟ أم لعبة سياسية لتصفية أي لون من المعارضة الفكرية؟ هل هو من القرآن أم من كتاب السيوطي (بلوغ المآرب في أخبار العقارب).

والجواب إنه حكم ولد من جيوب فقهاء العصر المملوكي أو (الثقافة الموازية)، والثقافة عندها قدرة أن تعطل أعظم النصوص وتخلق قرآنا أعجميا ذي عوج. وتدشن (إسلام ضد الإسلام) بتعبير النيهوم.

ونحن نعلم أن الرسول ص لم يقتل أحدا لأنه كفر بل لأنه مارس الجريمة فجاءت العقوبة بقدرها، والستة الذين إستباح دمهم فقال إقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة عاد فعفى عن نصفهم ومن قتل منهم كان للجرائم التي إرتكبوها أكثر من عقائدهم التي حملوها، وينطبق نفس الكلام على إغتيال كعب بن الأشرف الذي كان يتآمر بخيل ورجال على النبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك من يذهب إلى إكتشاف أحاديث تلغي النص القرآني فيستبدل الأعلى بالأدنى، مثل (من بدل دينه فاقتلوه) وهذا يستتبعه ـ لو أريد تفسيره حرفيا ـ أن النصراني إذا غير دينه فاعتنق الإسلام أن يقطع رأسه، وهو أمر لا يقول به من فرحوا باعتناق زوجة القسيس المصري قسطنطين الإسلام في ديسمبر 2004م.

كما أن حديث (أهل عرينة) الذين إرتدوا قتلوا ليس لأنهم إرتدوا كما يخيل للبعض بل لأنهم سلبوا وسفكوا الدم الحرام، وهو أمر اقترب منه (البوطي) في كتابه عن الجهاد حينما اعتبر (الحرابة) هي التي تفسر قتال المرتدين ولكن نفس البوطي بايع السلطان المغتصب وهلل له حتى تخلص منه بقرطاسة (كت يقول المغاربة = رصاصة) لما انتهى دوره، وتعليل أبو بكر الصديق ر لقتالهم كان واضحاً بسبب عصيانهم المسلح حينما امتنعوا عن تأدية الضرائب، وهو أمر لا تقبله الدول الحديثة، وتجبر صاحبها على تأديته، وهو ما فعله أبو بكر الصديق ر بقوله:”لو كانوا يؤدون عقال بعير لقاتلتهم على منعه”.

وهذا الأمر حسبما أذكر فكرت فيه مؤسسة دينية معتبرة في مصر مختصة بالعقائد فرأت أن استتابة المرتد مفتوحة لكل العمر، وهي خطوة بسيطة في أول الطريق للتخلص من هذا التوجه الذي يسيء للإسلام.

وحاليا تحدث مراجعة في العديد من الأوساط الإسلامية للتخلص من هذه المسلمة في إعدام من أنكر معلوما من الدين بالضرورة و(ارتد) أنه حكم يجب التخلص منه ولا علاقة له بقرآن وإسلام، هذا إن أردنا بناء مجتمع معاصر يقوم على الحرية الفكرية.

ففي السودان أعلن الترابي براءته من الحكم قبل موته، ولكن الغزالي في مصر لم ينكشف الغطاء أمام عينيه كما حصل مع القضايا العديدة التي لمسها في كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) فاعتبر أن قتل (فرج فودة) في مصر كان عملا صحيحا في أصله ولكنه “افتئات على حق الدولة” أي أنه عمل كان يجب أن تقوم به الدولة بقطع رقبته، وحين قصرت الدولة قام (الشباب) بتنفيذه.

وأهمية هذا الموضوع يتعلق بمشكلة الحرية والتعبير فعندما نحجز الناس في مربعات التفكير ونقطع ألسنتهم نلقي القبض على العقل فيصبح (عقلا معتقلا)، والعقل الذي يعتاد الشلل تتيبس مفاصله عن الإبداع وهو سر الانحطاط في العالم الإسلامي.

وحين نسمح للناس بخيارات محددة باتجاه واحد فيكون مثلنا مثل من يريد بناء طرق سريعة باتجاه واحد، أو سيارات بقوة دفع للأمام فقط، فإذا دخلت السيارة الكراج انحشرت فيه فلم تغادره، وهي كارثة على شركات بناء السيارات لو حصلت، أن لا يوجد في السيارة إمكانية العودة للخلف، ولكنها واقعة يومية نعيشها فنسمح لعقولنا بالمشي في اتجاه واحد، والله غني عن إيماننا وكفرنا، ومع الإكراه لا يبقى الإيمان إيمانا ولا الكفر كفرا.

إن أهم ما كتب الفيلسوف (إيمانويل كانط) لم يكن كتاب نقد العقل الخالص أو العملي ولا رسالته عن السلام الدائم، بل مقالة نشرها في المجلة الفلسفية الدورية التي كانت تنشر في برلين بعنوان (ما هو التنوير Die Aufklaerung) وهي نفس المسألة التي نتناولها الآن بعد موت الرجل بقرنين، حين يتحول الدين إلى إرهاب، والسلام والتسامح إلى جنون وتعصب، يفقد الدين روحه ويتحول إلى نصوص ميتة يتلوها أناس أموات من الكتبة والفريسيين، يومها حرم الملك (فريدريك) على كانط أن يتناول أي مسألة دينية في نقده. وأخرس الفيلسوف.

وأتذكر من بيتي في بريدة عند الأعراب تم وضع وعلى مسافة خمس أمتار من غرف نومنا أربع مكبرات صوت بقوة 140 ديسبل للواحد توقظ الأموات قبل الأحياء ولا نستطيع أن نسجل كلمة اعتراض واحدة؟ فمن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه؟.

وحين يجلس الدين على عرش الإرهاب فهو خلف كل إرهاب وليس الاستبداد السياسي إلا تلميذ متواضع في مدرسته، ومنه حاجتنا إلى (مارتن لوثر) إسلامي.

https://anbaaexpress.ma/ovm6u

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى