طه رياضي
في ظل العناية المولوية السامية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لمغاربة العالم، يبرز إقصاء هذه الفئة من الإحصاء الذي تشرف عليه المندوبية السامية للتخطيط كمسألة تستدعي الوقوف عندها بجدية.
إن مغاربة العالم يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمملكة، وإقصاؤهم من الإحصاء يعد تجاهلاً لمساهماتهم الكبيرة في تنمية البلاد.
إن هذا الإقصاء يعكس نقصًا في التقدير لأهمية مغاربة العالم، الذين يسهمون بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تحويلاتهم المالية، ونقل المعرفة والخبرات، وتعزيز صورة المغرب في الخارج.
كما أن هذا الإقصاء يتناقض مع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على ضرورة إشراك جميع المغاربة في عملية التنمية الشاملة.
إن إقصاء مغاربة العالم من الإحصاء يطرح تساؤلات حول مدى شمولية ودقة البيانات التي يتم جمعها، والتي من المفترض أن تكون أساسًا لوضع السياسات العمومية. إن تجاهل هذه الفئة المهمة قد يؤدي إلى سياسات غير متوازنة وغير عادلة، لا تعكس الواقع الحقيقي للمجتمع المغربي بكل مكوناته.
علاوة على ذلك، فإن إدراج هذه الفئة في الإحصاء هو بمثابة فتح باب لتطبيق مقتضيات الفصلين 17 و18 من دستور 2011، وكذلك حق مغاربة العالم في التصويت والتمثيل داخل قبة البرلمان. إن هذا الإجراء يعزز من حقوق المواطنة الكاملة لمغاربة العالم ويضمن مشاركتهم الفعالة في الحياة السياسية والوطنية. لذا، ندعو إلى تنزيل الفصلين 17 و18 على أرض الواقع لضمان تحقيق العدالة والمساواة لجميع المغاربة.
إن مغاربة العالم يسهمون بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تحويلاتهم المالية، التي سجلت رقمًا قياسيًا غير مسبوق في نهاية عام 2022، حيث وصلت إلى أكثر من 100 مليار درهم. هذه التحويلات تسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي المغربي وتغطية حاجيات الاستيراد، مما يجعل الاقتصاد المغربي يتعاطى بشكل مريح مع تقلبات معدل النمو.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب مغاربة العالم دورًا اجتماعيًا مهمًا من خلال تأمين حاجيات عائلاتهم بالمغرب، مما يسهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي والدورة الاقتصادية للبلاد. كما أن جزءًا كبيرًا من هذه التحويلات يأتي على شكل استثمارات في قطاعات العقار والخدمات والفلاحة والتكنولوجيات الحديثة.
إعتبرت لجنة النموذج التنموي الجالية المغربية إحدى الركائز الخمس لبلورة تنمية جديدة في المغرب، عبر إدماج الكفاءات وعبر اقتصاد المعرفة المرتبط باستعمال التكنولوجيات الحيوية والرقمنة وصناعة التكنولوجيات الحديثة، والطاقات المتجددة.
يمكن لمغاربة العالم أن يقدموا خبراتهم في هذه المجالات، مما يقتضي نهج سياسة استقطاب الكفاءات منهم المتوفرين على مؤهلات عالية.
في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد، أكد جلالته على أهمية إشراك جميع المغاربة في عملية التنمية الشاملة، مشيرًا إلى أن “المغرب قوي بوحدته الوطنية، وإجماع مكوناته حول مقدساته. وهو قوي بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، وعملهم على تنميته وتقدمه، والدفاع عن وحدته واستقراره”.
لذا، ندعو المندوبية السامية للتخطيط إلى إعادة النظر في منهجية الإحصاء وضمان إشراك مغاربة العالم في هذه العملية الحيوية.
كما ندعو إلى فتح نقاش عام وشامل حول كيفية تحسين عملية الإحصاء لتكون أكثر شمولية وعدالة، بما يعكس التنوع الحقيقي للمجتمع المغربي ويعزز الوحدة الوطنية.
إن إشراك مغاربة العالم في الإحصاء ليس فقط مسألة عدالة، بل هو أيضًا ضرورة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تعكس تطلعات جميع المغاربة داخل الوطن وخارجه.
* طالب في جامعة بوردوا الفرنسية – عضو البرلمان المغربي للشباب – كاتب في جمعية المغرب-فرنسا افنت