ذ. بوسلهام عميمر
الكاتبة والإعلامية والتربوية، إشراف بن مراد متعدد في واحد. تكتب للأطفال “من الخائن؟ و “القنفذ صانع الحكايات” و “نحبك دون مقابل”، مفعمة بالقيم النبيلة، وتكتب لليافعين فازت مؤخرا بالمركز الأول للجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل عن روايتها “حلم نور” محورها أطفال القمر، فضلا عن التزامها التربوي والثقافي في مجال الطفولة والأسرة، وكذا سعيها الدؤوب لتعزيز فعل القراءة في الوطن العربي، عبر تأطير الورشات القرائية والكتابة في عدد من المجلات الطفولية بمجموعة من الدول العربية، تعمل اليوم في مجال الإعلام الثقافي بدولة قطر، بالإضافة إلى نشاطها بقناة على اليوتوب “مع إشراف”، علما فالكتابة للطفل ليست بالأمر الهين.
إنه كما يقال “الطفل فيلسوف صغير”، إذا لم نصعد إليه، بتعبير ذ. العربي بنجلون كاتب الأطفال الكبير، بما يعنيه الصعود من مشقة، فلن يتفاعل معنا. سئل يوما الفنان بيكاسو لماذا لا يرسم للأطفال؟ فأجاب باسما، لأنني لم أنضج بعد.
فما الكتابة عموما؟ والكتابة الروائية خصوصا؟ وعلى الأخص الكتابة لليافعين، في سنهم الانتقالية الحرجة، إذا لم تكن منهم، وإليهم، وبما يناسبهم، لتصل إلى عمق دواخلهم؟
وما الكاتب، إذا لم يكن نبض مجتمعه بآماله وآلامه؟ ونبض أمته؟ ونبض الإنسانية جمعاء؟ وطبعا، دون أن يعني هذا التفريط قلامة ظفر في أساسيات الكتابة الإبداعية.
الكاتبة في روايتها هاته “أنا فاطمة”، وضعت أصبعها على جرح إحدى الظواهر الاجتماعية، للأسف، قد نجزم بالقول بأن حضورها، لا يزال لافتا في كل المجتمعات؛ متقدمها و متخلفها. أبدعت في رسم معالمها الاجتماعية الكالحة.
كما أوردت على لسان أم ريم لتبرز الميز العنصري في أبشع تجلياته، قائلة والشرر يتطاير من عينيها “لقد اخبرتك سابقا سيدي المدير، أنني لا اريد ان تدرس ابنتي عند معلم أسود اللون، وها أنا آتي لأجدها تجلس أيضا قرب فتاه سوداء”21
و بحكم تخصصها النفسي، توفقت في رصد آثارها السلبية على نفسيات المكتوين بنارها وخاصة فئة الأطفال، وكذا حال الأطراف المتدخلة في تكريسها، بقصد وبغير قصد ممن لا يعرفون كيف يعالجونها، سواء كانوا آباء أو مدرسين أو ناس عاديين.
علما فلا ناقة لأحد من الأطفال ولا جمل في لونه أو عرقه أو جنسه على لسان فاطمة، فكم من مرة “قال لي أحدهم، بين جد وهزل، إنني لست من تلك الأرض، ليذكرني بتاريخ جدي العاشر، الذي قدم من بعيد !شيء مضحك حقا أن تحاسب على هويتك الجينية ولونك الذي أورثه لك جدك“84 و في ردها على جدتها، يظهر مدى الجرح الغائر في نفسيتها بسبب ما تراكم في دواخلها من تنمر وسخرية في ص 15 تقول “فرق كبير انت بيضاء جميلة، وانا عكسك تماما سوداء كقطعه فحم. أنا فاطمه السوداء“.
ولتؤكد الكاتبة أن العنصرية متجذرة في المجتمع، حتى في صفوف الصغار، المفروض فيهم تجاوز الثقافات البائدة بخصوص العبودية المرتبطة باللون، إذ رغم تفوق فاطمة في الصف الدراسي، و مساعدتها للجميع، فعند اختيار رئيس للصف تقول فاطمة “لكن النتيجة خيبت ظني، وافاقتني من أوهامي، اذ كانت أغلبية الأصوات لنرجس”19، و في مرحلة لاحقة ما حدث لها مع أحد التلاميذ بالمرحلة الإعدادية وهم يدرسون تاريخ الأجداد القديم، إذ استأذن الاستاذ مستطردا تقول فاطمة، وهو ينظر الي ” إن السود ليسوا من السكان الاصليين للبلاد، وأجدادهم قدموا كعبيد، فكيف يمكن أن نعدهم من أهل البلد” فكان جوابها قاسيا بما يعرف في تراثنا العربي، بجواب السكت لما لا يجد المخاطَب ما يجيب به “قلت بكل هدوء والقانون ساوى بيننا يا صديقي، أليس كذلك؟ قد يكون جدي جاء الى هذه الأرض عبدا، ولكن، حسب ما يبدو لي من شعرك الاصفر وعينيك الزرقاوين، أن جدك قد قدم إليها مستعمرا”85
قد يستساغ الميز العنصري، في بلاد المهجر بمعنى من المعاني كما ورد في الرواية على لسان فاطمة، لما انتقلت للدراسة بباريس، وهي تحكي عن امرأة بالمترو “التقت عيناي بعيني سيدة، رمقتني بقسوة.. تمتمت بصوت مسموع، وهي تمر من جانبي: لقد ملأتم البلاد، عودوا من حيث أتيتم“74، ناسية أو متناسية ماضيهم الاستعماري الغاشم.
تعقب فاطمة بمرارة قائلة، في الصفحة المواليةببلاغة نادرة“يا لسخرية القدر !فهل من المعقول أن أقطع كل تلك المسافة، لأواجه النظرة نفسها والكلام نفسه؟ الفرق الوحيد فقط إنه يقال بلغة مختلفة“75 لكن الإشكال المستعصي على الفهم، أنه في الوطن الواحد، نفس ظروف العيش، يتفشى الميز العنصري المبني على اللون بشكل سافر.
فلم يكن من السهل على طفلة في سن فاطمة، أن تتحمل الطعنات حتى من الأقارب فضلا عن الأباعد، مثل ما بدر عن عمتها، تحكي عنها وهم صغار يلعبون لعبة العروسين “عندما رأتني أنا العروس، صاحت بأعلى صوتها تنادي “يحيى تعال هنا فورا” ثم قالت دون ان تأبه لاحد “ابني القمر يتزوج قطعه فحم أعوذ بالله“11.
ظواهر المفروض أن يتولى علماء الاجتماع محاولة فهمها، وكذلك علماء النفس، فضلا عن انخراط الإعلام والمدرسة في معالجتها. فهل يتصور حال فتاة منذ صغرها بعمر ست سنوات، وهي تتعرض لقصف الميز العنصري، مما جعل الكاتبة تتساءل في خلفية الكتاب عن شخصية فاطمة ومسار حياتها قائلة “فاين سينتهي المطاف بفاطمة؟ وهل ستنجح في مسعاها؟”.
علما ففي المجال التربوي يقال أن حياة الإنسان تتحدد في الخمس سنوات الأولى أو العشرة على أكبر تقدير، إيجابا أو سلبا؟ والأشد على نفسها كان من أمها التي وإن لم تفصح عن ميزها العنصري، فهي تعبر عنه بندمها من التزوج بأبيهاالأسود وندمها على معارضة كل أفراد عائلتها البيض، تقول “كان علي أن لا أساير قلبي، وأن أقرأ عواقب هذا الاختلاف في مجتمع معقد”13، كل هذا وغيره، يمر بمرارة على مسامعها، فيزيد وضعها تعقيدا، تقول “وقالت كلاما كثيرا ما زلت أتذكره. وصفتني بالمعقدة والمريضة، وأنني سبب عثرتها في هذه الحياة، وأنني وصمة عار عليها، وقالت إنها تخجل بي”56
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
معارك كثيرة خاضتها قبل أن تتصالح مع ذاتها، سواء خلال دراستها بتونس، كم مرة عوقبت بتوقيفها عن الدراسة بسبب دفاعها عن نفسها ضد احتقارها وتعييرها بلونها، حتى كادت مرة أن ترمى في سجن الأحداث، أو بفرنسا لدرجة كانت على وشك أن يغلق قوس حياتها نتيجة حادثة سير بسبب تنمر مجموعة من زميلاتها بالصف، يعيرونها بسواد لونها.
كل ذلك كان قبل أن يقول لها أبوها في آخر الرواية بعد تجاوزها لكل العقبات وتحقيق تفوقها “انا فخور بك يا ابنتي كنت متأكدا أنك ستحققين نجاحا باهرا”127
فلم يكن ما وصلت إليه سهلا هينا، تماهيا مع ما افتتحت به روايتها بقول الروائي الراحل الطيب صالح “أي ثمن باهظ يدفعه الانسان حتى تتضح له حقيقه نفسه وحقيقة الأشياء؟ !” إذ أصبح لكتاباتها صدى في أبرز الصحف الفرنسية، وأنشأت مع صديقتيها كريستين وفتيحة وغيرهما قناة على اليوتوب، لعرض فيديوهات تجري خلالها لقاءات مع شباب مبدعين تحدّوا إعاقاتهم، كقصة الفتاة “إيميلي” التي كانت ترسم بقدميها بسبب فقدانها ليديها، ومنصات يعرض فيها شباب أعمالهم الأدبية، اتفقن أن يكون اسمها “أنا هنا.. أنا إنسان”، في وقت وجيز تضاعف عدد متابعيها بفرنسا وخارجها، تقول في أحد حواراتها “بالخلاصة فمبادرتنا، هي دعوة للعيش بأمل ومحبة وتفاؤل في هذه الحياة”126.
إنها لا تريد أن تعيش فتاة ما عاشته خلال مسيرتها الحياتية. وتضيف قائلة قول المجرب، ف “ليس من رأى كمن سمع”، “ومهما واجهت من مشكلات بسبب ذلك الاختلاف واجهها بالحب والتسامح. فوحده التسامح، يجعلك قويا. ووحده الحب، يجعلك قادرا على أن تواصل مسيرتك، إلى هدفك بكل عزيمة”.
بناء الرواية الفني:
ويبقى البناء الفني في أي عمل إبداعي؛ شعرا أو سردا هو الفيصل، لا يمكن أن يتوج بوسام الإبداع، إلا إذا أخلص لجنسه بلوازمه. فمهما كانت حساسية موضوعاته، ومهما كانت قوة رسائله إلى من يهمه الأمر، ومهما كانت نوعية دلالاته وإشاراته، فالكتابة الإبداعية، فضلا عما سبق ذكره بعيدا عن نظرية الفن للفن، فلا بد فيها من شروطها، و لا بد فيها من خصائصها، بلغتها الانزياحية بقدر الملح في الطعام، لكي لا تبلغ لدرجة التعمية بالإغراق في الرمزية، وبتشبيهاته لتقريب المعنى من أذهان القارئ علاوة على ما تضفيه من جمالية على القول الروائي، وبتعبيراتها الجميلة وبصورها البديعة وبحبكتها المحكمة وغيرها من أسس فن الرواية. رواية “أنا فاطمة” مفعمة بمقوماتها الأساسية.
لنتابع معها هذه الصور على سبيل التمثيل، ما ورد على لسان أستاذها الصافي تعقيبا على المرأة التي جاءت ترغي وتزبد “الشرر يتطاير من عينيها كلبؤة مفترسة”21، فقط لأن معلم ابنتها لونه أسود وتجلس بجانبها فاطمة لونها أسود.
فكان أن ختم بعد سكون الزوبعة بقوله لفاطمة “لا اريد ان يؤثر عليك ما حدث اليوم، لأنه ببساطه لن يؤثر علي. فنحن أقوياء، والشوكولاتة لا تفقد أبدا حلاوتها وطعمها المميز، فكوني مثلها. اتفقنا؟”24.
ولنتابع معها هذه الصورة على لسان فاطمة بفرنسا، في حق صديقتها فتيحة “فهي تسمعني باهتمام، وتحرص على أن تغرس أمامي ورود الامل والتفاؤل”88، وفي ص37 تقول على لسان جدتها، وإن كان فهي رسالة لكل من يتأثر لكلام الناس، غير المبني على أساس “كنت سوداء او بيضاء او حمراء، لا يعني ذلك شيئا، انت ابنتنا الجميلة، ونحن نحبك كما انت. من هم هؤلاء حتى تقيمي نفسك بأعينهم؟ !أنت فاطمة، بؤبؤ العين، وهل نستطيع ان نرى دون سواد العين، يا فاطمة؟“37.
ونختم بهذه الصورة الموحية والمحملة بأكثر من دلالة، تقول فاطمة في ص48 “بات بيتنا باردا جدا، وابتعدنا عن بعضنا، وكأننا لا نعيش تحت السقف نفسه، فلكل منا عالمه الخاص”.
أما التشبيهات فهي أكثر من أن تحصى، لعلمها بدور التشبيه في تقريب المعاني إلى القارئ وخاصة الأطفال، بالمثال يتضح المقال، فقد شبهت بصوت النار، وشبهت بالبالون المنتفخ،و شبهت بالدهر في قولها لما سألت أمها عن سبب زواجها بأبيها وهو أسود؟ “مرت برهة من الوقت وكأنها الدهر”14، وشبهت بالعاصفة، وشبهت بالحمم البركانية، تقول “كانت ملامحي هادئة، وكأن ما حدث لا يخصني، بينما قلبي كان يشتعل كحمم بركانيه عند الانفجار“26، وشبهت باللبؤة المفترسة، و شبهت بالوردة و بكومة خراب، وشبهت بالعاصفة المدارية، وشبهت بالروبوت وشبهت بالبركان في قولها عن دنيا “قالت لي باستفزاز: أنت ببساطه تغارين مني، فأنا بيضاء وأنت سوداء !ثم غادرت، وتركتني أثور كالبركان“54
ولأهمية الأمثال في السرد الروائي باعتبار جماليته، وتجسيده للمعاني المجردة، وسهولة لفظه وإيجازه، فإنه يسهم في تبليغ المعاني بأوجز عبارة وأبلغها، خاصة لفئة اليافعين.
الكاتبة في سياق حديثها عن مدى الحب المتبادل بين فاطمة وجدتها، تورد هذا المثل على لسان جدتها “إن ما أعزّ منَ الولدِ إلا ولدُ الولدِ”35، وفي ص88 نجدها في سياق التعبير عن قوة عزيمتها بعد أن حددت هدفها، لما يحزبها أمر أو يغضبها، فتردد في داخلها المثل المعروف “يا جبل ما يهزك ريح”.
الرواية حافلة بالتناصات أو التعالقاتأو التداخلات، بين النص وغيره من النصوص سابقة أو معاصرة بشكل صريح أو ضمني، ويظهر في شكل اقتباس أو إشارات، ينم عن موسوعية الكاتبة المعرفية والثقافية ومهارتها في توظيفها، نجده في سياق حديث فاطمة لما أنهت شغلها تساعد أمها في بعض أعمال البيت وتتناول فطورها “تناولت فطور الصباح وساعدت أمي في بعض الاعمال شغلت المذياع، وطربت لسماع فيروز، وهي تغني طلعت يا محلى نورها شمس الشموسه“، ولأنه في إطار التناص، يكون النص مفتوحا على كل النصوص كما يشبهها بارث بذئب بكونه مجموعة خراف.
الرواية حافلة بالنماذج من قبيل “أليس في بلاد العجائب” و “متحف اللوفر” الشهير الواقعي على الضفة الشمالية لنهر السين”، وبرج إيفل، “أكثر طابق جذبني و لفت انتباهي، الطابق الثالث؛ حيث يمكن للزائر أن يرى بوضوح “متحف اللوفر”، و”القصر الكبير” و”كاتدرائيه نوتردام” التي تعد أيقونة العمارة الفرنسيه..“68
الرواية منفتحة على التاريخ وعلى الجغرافيا وعلى ثقافة الغير. في هذا السياق تشير الكاتبة إلى عدة مدن تونسية، ص43، “صاحبني أبي إلى مدينه سيدي بوسعيد الساحرة، كم سمعت عن هندستها المدهشة، وموقعها المطل على البحر، من أعلى الجبل ومبانيها المطلية بالأبيض ونوافذها وابوابها الزرقاء” وكذلك الشأن بخصوص مدينة بورقيبة، تقول أنها كانت تسمى زمن الاستعمار “فيري فيل” أي مدينة الجنرال، وذكرت أن أهم ما تتميز به “أهلها الطيبون، الذين ينتمون إلى أصول مختلفة.. بل وهناك عائلات كثيرة من أصول جزائرية ومغربية وليبية، أو من أصول إفريقية”37.
قبل الختم لا بد من التأكيد على جملة قضايا، نوردها كالتالي:
أولاها، فبما أن الرواية موجهة لفئة الشباب، وبحكم اهتمام الكاتبة بالشأن التربوي، فإن الرواية حافلة بالرسائل التربوية، توردها بفنية روائية راقية، كقولها على لسان فتيحة صديقتها بفرنسا “عليك أن تتخلصي من كل شيء يؤلمك”90، وبنفس الصفحة تضيف قائلة بعد أن سردت على مسامعها قصتها بعد حادثة سير أصيب بها والدها واضطرارها لمساعدة أمها، والاجتهاد في دراستها لتحقق حلمها، “انا مؤمنه أن الأيام ستكافئني بالنجاح. وكذلك أنت، حددي هدفك واسعي لتحقيق حلمك، ولا تسجني نفسك داخل قوقعه الذكريات”
ثانيها للآباء ممن يخطئون في حق أبنائهم، عن جهل بأبجديات الفعل التربوي، مثل ما نجده في ص58-59 من مقارنة الأبناء بغيرهم، بدون مراعاة خصوصيات الأطفال وتركيبة كل طفل ومشاعره وميولاته. تقول على لسان فاطمة عن أمها “فهي لا تكف عن استفزازي وتوجيه الملاحظات إلي، ولا يمر يوم دون أن أسمع مقارناتها العجيبة مع ابن فلان وابن فلانة، فأنا دائما في نظرها في مرمى إصبع الاتهام والفشل”
ثالثها، الرواية حافلة بالكتب والروايات بما أن هاجس الكاتبة هو فعل القراءة، قناعة منها بأنها السبيل إلى التحضر وعلاج لمجموعة من الأمراض المجتمعية من قبيل ظاهرة الميز العنصري، التي لاتزال متفشية بشكل واضح في أكثر من مجتمع.
تقول على لسان صديقتها فتيحة”أنصحك بقراءة كتاب ” فن اللامبالاة” ل”مارك مانسون” ستعرفين أن اللامبالاة مطلوبة في مثل هذه المواقف، وأنها فن علينا إتقانه؛ حتى لا نحيد عن طريقنا التي ستوصلنا إلى أهدافنا”84، و رواية البؤساء، وغيرها مما جاء في الرواية من كتب.
رابعها، القراءة ملاذ والكتابة علاج، ففي عز توتر علاقتها مع أمها تقول بأنها لم تعد تخرج سوى إلى المدرسة أو إلى المكتبة العمومية تقول في ص49-50، “حيث كانت الكتب ملجئي وعالمي الجميل … كنت أنجذب إلى كتب التاريخ والروايات، التي تتحدث عن العبودية والسود والعنصرية، والتاريخ الاستعماري للدول؛ كنت اشعر انها تتحدث عني”.
وكانت أول رسالة كتبتها لنفسها لتقول في ص86 “ومنذ ذلك اليوم، أيقنت أن الكتابة دواء لكل وجع، وجسر لكل امل”
خامسها، قيمة الإنسان، كما جاء على لسان جدتها في ص37، “كلنا خلق الله، يخلقنا كما يشاء لنعبده ولنتميز في حياتنا. قيمتك الحقيقية يا فاطمة، ليست في لونك، ولكن في ما يمكن ان تفعليه في حياتك، وتنجزيه، وتنفعي به من هم حولك”، وعلى لسان معلمها الصافي في ص23 تقول ” إنما يعيب الانسان، ليس لونه أو شكله أو فقره، وإنما تصرفاته وسلوكه هل فهمتم؟”
وتبقى رواية “أنا فاطمة” للكاتبة إشراف بن مراد، لغناها معنى ومضمونا، ولجمال بنائها مبنى وشكلا، مفتوحة على قراءات أخرى من زوايا مختلفة ومن رؤى متعددة.
* كاتب مغربي