
في آخر مقال لي هنا كنت قد وعدتكم بتبيان الأسباب الموضوعية لبداية نهاية تجربة الدولة الجزائرية، و بعدها بيومين جاء السفير السابق لفرنسا بالجزائر ليؤكد أن هذه الدولة تعيش أو في طريق الانهيار.
سأترك هذا العنوان الى وقت لاحق، لظهور عوامل آنية تبين و تؤكد ما ذهبنا إليه سابقا من خلال العناوين العشرة الماضية، من أن الجزائر لديها ملف واحد و أوحد فوق طاولتها و هو معاداة و النيل من المغرب بأي ثمن.
سأضيف هنا عاملا معززا لهذا العداء، الذي كان منذ وقت بعيد، النظام الحالي زاد من جرعات عداءه للمغرب منذ أن تدخل المغرب في الكركرات لتسهيل تواصله مع إفريقيا وفق القانون الدولي، هذه الخطوة المغربية أربكت حسابات العسكر الذين دفعوا بميليشيات البوليساريو في اتجاه هذه المنطقة.
و تفهم المنتظم الدولي بل موافقته على الخطوة المغربية جعل النظام الجزائري يضرب بكل ما أوتي من قوة أي مصلحة مغربية، بل و جند كتائبه الإلكترونية ومكن جنوده و دركه و شرطته و مخابراته من وسائل، لشن حرب على المغرب في مواقع التواصل، بعد أن علم يقينا أنه يستحيل عليه شنها ميدانيا لأن الجنود و الضباط الجزائريين لهم وعي تام، أن قيادتهم المتكونة من كمشة من الجنرالات هم اعداء الجزائر و ليس المغرب.
فالجزائر لديها مواعيد محددة للهجوم على المغرب، كما أثبثها تاريخ العلاقات بين البلدين، هذه المواعيد أو العوامل هي ثلاثة، أولها عندما يسجل عليهم المغرب نقاط في قضية وحدته الترابية، و ثانيهما عندما يحسون بتفوق المغرب إقتصاديا و تقدمه تنمويا و ثالثهما عندما يشتمون رائحة حرب أهلية داخلية في بلادهم.
العامل إنطلق مع بروز سياسة توالي سحب الاعترافات بجمهورية الوهم، و فتح العديد من الدول لقنصليات في مدينتي العيون و الداخلة، و تفجر ذلك و زادت جرعة الحقد، بمناسبة حادث الكركرات الذي بموجبه أرجع المغرب الحالة العادية للطريق، الرابطة بين المغرب و إفريقيا بتفهم و مساندة من المجتمع الدولي.
كانت هذه شرارة خروج خطاب و سلوك العدائية من الكواليس إلى العلن و أحست الجزائر أن القضية التي توظفها على شفى الهروب من بين أيديها و بالتالي الانهزام الفاضح أم الحق المغربي و الدعم الدولي له.
ثانيهما العامل الاقتصادي و التنموي، إذ أنه بعد تنحية عزيز بوتفليقة الذي دخلت معه الجزائر ككل مرحلة الشلل النصفي، إستفاق الجزائريون على واقع ان المغرب في ظرف عشرين عاما من حكم محمد السادس، تغير رأسا على عقب في جميع المجالات بشكل ايجابي، في حين أنهم في ظرف عشرين عاما من حكم بوتفليقة عاشوا بحبوحة من المداخيل صرفوها في تأمين الغذاء و غالبيتها تمت سرقته و عند انخفاض البترول وجدوا أنفسهم عاجزين عن مسايرة المتطلبات الاجتماعية الريعية، فعملوا مقارنات مع الوضع المغربي و وجدوا أنفسهم، أنه هرب عليهم بسنوات، فما كان منهم إلا التصعيد ضده و تحلى ذلك من خلال مطالبة ألمانيا بالتدخل، لأن الجزائر لن تقبل بتفوق المغرب عليها، من جهة أخرى تمكين نظامها من الانتقال السلس للسلطة بعد الحراك من كبرانات فرنسا إلى كبرانات كبرانات فرنسا.
أي إعادة إنتاج و الموقع نفس النظام بوجوه جديدة و نظام مدني صوري، إختاروه بعناية هو الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي مرره قائد الجيش القايد صالح، ضدا عن نتائج الانتخابات الرئاسية ذات المشاركة الضعيفة والتي ربحها ميهوبي و ليس تبون، لكن العسكر إختاروا تبون كونه مثقل بملفات فساد كبرى و بالتالي يسهل السيطرة عليه و توجيهه وفق إستراتيجياتهم المبنية على امتصاص الحراك الشعبي و ضمان استمراريتهم في الحكم.
العامل الثالث هو الهروب من الحروب الأهلية أو بوادرها و التاريخ يبين لنا كيف أن الجزائر إستغلت ما مرة ذلك العامل، ففي الحرب الأهلية الأولى و التي إمتدت لتسعة شهور مع بداية الاستقلال بين المقاومة الجزائرية و جيش الحدود في كل من تونس و المغرب، وهذه الحرب كادت أن تعصف باستقلال الجزائر، لكن بومدين و لتوحيد الصف الداخلي و القضاء على التناحرات الداخلية انخرط مع المغرب في ما يسمى حرب الرمال، و كذلك كان نجح فعلا في ذلك عندما دعا المتمردين على حكم العسكر لمساندة الدولة و ترك التطاحن الداخلي جانبا، و أحسن مثال هو ما قام به حسين آيت احمد في القبايل و غيرها من المناطق التي وضعت حدا للحرب الأهلية و توجهت للحدود مع المغرب.
نفس الشيء يتكرر و كأنهم حافظون لوسائل العمل و التفكير كما يحفظون القرآن مجازا، إنها اساليب صدئة أصبح معها الشعب الجزائري يدعو علنا و جهارا إلى تجاوز ذلك المنطق و يحمل نظامه المسؤولية الكاملة سواء في ما يعيشه من ظروف داخلية أو من خلال وعيه بأن البوليساريو و العسكر ،هما المقدسين في بلادهم للذان بواسطتهما يتم ذبحه و سرقته و تهجيره أفواجا و إعتقاله و حرقه و إستغلاله و اهدار ثرواته.
إنها الحقيقة الساطعة أمامهم و امام الشعوب المغاربية، لا مجال للخروج من الوضعية الحالية إلا بشرط واحد و أوحد هو زوال نظام العسكر و المخابرات في الجزائر، نظام لا يأتي من وراءه إلا الشر و الضرر و الوجع.
نظام بني على باطل منذ انقلاب بومدين و بنبلة على حكومة فرحات عباس، نظام مسخ لا هو إشتراكي و لا هو ليبيرالي، و لا هو وطني، و لا هو عروبي، و لا هو نظام أصلا، هم مجموعة من الصعاليك منهزمين دراسيا و ثقافيا و سياسيا و إجتماعيا لا يملكون في أيديهم إلا السلاح الذي وفروه على حساب إحتياجات الشعب الجزائري، يرعبون به الشعب الجزائري و يتوهمون و يحلمون أنهم يرهبون به جيرانهم، و هم واهمون في ذلك و سيأتي اليوم الذي يعرفون فيه أنهم يعيشون كوابيس و أحلام يقظة ستجعل مصيرهم كمصير أي مسؤول جزائري اليوم و الذي لا يخرج عن ثلاث مصائر : المسؤولية أو التصفية أو السجن.