من إيطاليا: بلقاسم ياسين
لا تدخر الحكومة الجزائرية أي جهد لاستمالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بعدما أعلنت رغبتها في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وتفاخرت بإمكانياتها الزراعية والطاقة أمام الأميركيين، تستهدف الجزائر الآن مؤهلا استراتيجيا جديدا يثير اهتمام دونالد ترامب: أراضي المعادن النادرة.
وقبل عامين، طلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحماية الروسية والخروج من “منطقة الدولار واليورو”.
قال السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم، في مقابلة مع موقع “ديفينس سكوب” الأمريكي، يوم 7 مارس الجاري، إن الجزائر “مستعدة لمناقشة” مواردها الطبيعية الوفيرة والمعادن النادرة مع الولايات المتحدة.
وأكد أيضا أن الدولة جاهزة لاستضافة مراكز البيانات “بتكلفة أقل”. أكد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم أن “فقط السماء هي الحدود” للتعاون الذي تريد الجزائر إقامته مع إدارة ترامب، مشيرا إلى أن نفوذ وانخراط واستثمار روسيا والصين يمتد بشكل ملموس في القارة الأفريقية.
يأتي الاقتراح الجزائري هذا، في الوقت الذي يضغط فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الرئيس فلاديمير زيلينسكي منذ أسابيع لتسليم أراضي المعادن النادرة الأوكرانية إلى الولايات المتحدة “كتعويض مالي” عن المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا في عهد إدارة بايدن في مواجهة الغزو الروسي.
منذ عودة دونالد ترامب الرسمية إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، أرسل السفير الجزائري في واشنطن رسائل عديدة تعبر عن الانفتاح على الولايات المتحدة.
وقال في مقابلة مع مجلة بيزنس فوكس في فبراير الماضي، نقلت وسائل إعلام جزائرية مقتطفات منها: “نحن منفتحون ومتفائلون. هدفنا هو تعزيز العلاقات الثنائية والمساهمة في الأمن العالمي”.
ودعا صبري بوقادوم أيضا الأميركيين إلى استغلال إمكانيات الجزائر في قطاعات الفلاحة والطاقات المتجددة والموارد الطبيعية والسياحة.
وفي أكتوبر 2021، ورغبة منه في إظهار عمق العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، أكد الرئيس تبون أن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن قدم للأمير عبد القادر مسدسين إثنين. ولكن الرجلان لم يعيشا في نفس المرحلة!
بعد أسبوعين من تولي دونالد ترامب منصبه، صرح تبون لصحيفة فرنسية أنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما امتنع عن إدانة خطة ترامب لطرد الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى، مكتفيا بوصف الفكرة الأمريكية بأنها “تعبير مؤسف”.
وخلال زيارته إلى موسكو في يونيو 2023، ولمحاولة استمالة الروس، نسب تبون إلى روسيا دور حامي استقلال الجزائر، وكأن الأخيرة كانت تحت الحماية الروسية.
وقال إن “الحفاظ على استقلالنا يأتي بفضل المساعدة الكبيرة التي قدمتها لنا روسيا التي سلحتنا ودافعت عن حريتنا”، مضيفا: “بفضل روسيا حصلت الجزائر على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي”.
لكن الجزائر حصلت على أحد المقعدين المخصصين لإفريقيا دون أية منافسة. وفي حديثه المثير عن مجموعة البريكس، قال تبون: “في عالم يتميز بالتوترات العالية، نريد الانضمام إلى مجموعة البريكس في أقرب وقت ممكن للخروج من منطقة الدولار واليورو”. كان يظن أن دول البريكس تستخدم عملة أخرى غير اليورو والدولار في معاملاتها التجارية!
دائما في روسيا، تحدث تبون بدون أدنى تحفظ، حتى أنه ذهب إلى حد وضع أوروبا والولايات المتحدة ضده، توجه إلى بوتين وكأنه ممثل دولة تابعة لروسيا: “بوتين صديق للإنسانية”. حتى الرئيس الروسي، الذي لم يكن يتوقع أن يصل ضيفه إلى هذا المستوى السريالي من الخضوع، أبدى ابتسامة نصف مسلية ونصف محرجة. وقال تبون “إننا نعول على روسيا لتسليحنا والدفاع عن استقلالنا”.
نداء استغاثة، طلب مساعدة، لأن الوضع يبدو خطيرا. إنه اعتراف بفشل نظام لم يعرف كيفية إدارة علاقاته مع العالم بهدوء. نظام غير قادر على حكم بلد أصبح الآن مفلسا تماما، بسبب عدم كفاءة الواضحة للقادة العسكريين وواجهتهم المدنية.
وبسبب هوسها بفكرة وجود مظلة روسية بالأمس وأخرى أميركية اليوم لحماية بضع مئات من الجنرالات ومعاونيهم المدنيين، سقطت الطبقة الجزائرية. واضح أن الأمر لا يتعلق بـ “حماية الشعب الجزائري” أو “استقلال” الجزائر.
إن الشعب الجزائري ليس مهددا من أي دولة. إن التهديد الوحيد الذي يواجهه هو نظام غامض بدد ثروات بلد غني بالغاز والنفط، حيث أصبح الدخل القومي للفرد الآن أقل من دخل جارتيه المغرب وتونس، اللتين لا تملكان أي هيدروكربونات.