توطئة
بصرف البصر عمَّا هي نتيجة هذا البحث من يقين بمقتل عثمان بن عفَّان من عدمه، تظل الحقيقة التاريخية الموثوق بها غائبة وتظل فرضيات الترجيح بين القتل وتزوير التاريخ قائمة لأنَّ الفصل فيها يكمن في المراجع المصدوقة التي يُطمأن إليها ومردُّ ذلك كله للمسافة الزمنية بين القرن السابع الميلادي وبين القرن الواحد والعشرين الطويلة.
لكن بفضل الله ثم بفضل تقدم طريقة كتابة البحوث العلمية في هذا العصر الحديث التي تمكن الباحث من تلقي المعلومة والتقاطها في يسر أكثر من ذي قبل وتطور العقل البشري في فض ما أشكل عليه من مشكلات فكرية بمساحة أوسع بلا شك، أو ربما وقف العقل بينها وبين تأكيدها أو نفيها موقف الباحث المحلل المتأمِّل الذي يورد الأسباب والتداعيات التي من أجلها كتب البحث سلباً أو إيجاباً.
بصورة ثانية، في تقديري الشخصي المتواضع أنَّ عثمان بن عفَّان لم يُقْتَلْ ولم يكن ثَمَّة حصار مطبوق عليه ولا هم يؤرخون وأحيل هذا التقدير لأحد هذه الأمور أو كلها مجتمعة:
1 / أين مؤيدوه في الحكم حين بعث بالخطاب المشهور في موسم الحج طلباً للاستغاثة من الحصار؟ راجع طبقات بن سعد مطبعة ليدن بلندن وتاريخ الطبري أحداث سنة 34 هجري ثم كتاب الفتنة الكبرى – عثمان، لطه حسين.
2 / أين هم جنده وحرسه الذين يدافعون عن المدينة وعنه شخصياً في حالتي الحرب أو السلم أو كليهما معاً؟ راجع خطاب عثمان لعمَّاله في الأمصار رواية الطبري سنة 24 هجري.
3 / أين هم قادة العيون التي تأتيه بالأخبار / الجواسيس أو العسس / قبل حدوثها ليعمل عمله فيها، أو قل بلغة العصر الحديث: أين قيادة الاستخبارات المدنية الداخلية والخارجية ورجالاته من وقوع الفتنة أو ساعتها علماً بأنَّ الحصار استمر أربعين يوماً كاملة، أين كانوا ولماذا لم يوافوه بالتقارير؟.
4 / أين كانت عصبته وعشيرته التي تحميه حين أعطاها الجوائز ومنحها الأمصار وأسبغ عليها الأموال وأضاف إليها الأراضي والبيوتات ومزيد الاستثمارات أين هم وقت المحنة والفتنة لماذا لم يغيثوه أو ينجدوه وهو القائل: (إن دعوتهم لبَّوا) أو كما قال؟.
5 / كيف تمت الحشود والحصار من جميع الأمصار في حين كانت وسائل النقل والمواصلات عسيرة للغاية فكيف لها أن تصل حتى داره التي زُعِمَ أنَّه قُتِلَ فيها وخصوصاً أهل مصر التي كان واليه عليها عمرو بن العاص ثم عبد الله بن سعد بن أبي السرح (الذين حاصروا عثمان وفدوا من الكوفة والبصرة ومصر ولم يكن بينهم شامي واحد) ص 104، علماً بأنَّ المسافة بين فسطاط مصر إلى المدينة تبعد مسافة الآف الكيلو مترات وبينهما البحر الأحمر كذلك المسافة بين الكوفة والبصرة والمدينة، أين اجتمعوا وكانت نقطة الملاقاة للمسير والتنديد بإسقاط نظام الحكم في المدينة، فتأمَّل ! كيف قطعت هذه الحشود المسافات البعيدة المرهقة ليعبروا عن رأيهم السياسي بتلك السرعة وأردوه قتيلاً وكذلك المسافة بين القرى حول المدينة وأين كانت شعبيته في المدينة لماذا لم تلحقه أو تدافع عنه؟.
6 / تمويل الرحلة من أجل إسقاط الحكومة في المدينة من أين جاءت وهل كانت الناس همَّها الأكبر هي السياسة أم المعاش والفتوحات وما إلى ذلك، لماذا لم يتم قطع الطريق في مداخل المدينة حين انتشر خبر سوء إدارة عثمان للخلافة وآن إسقاطه بثورة شعبية قوامها الأمصار لا شعبه بالمدينة؟.
7 / لماذا ابتعد علي بن أبي طالب عن الدفاع عنه وقام بدور الوساطة بين المعارضين السياسيين وبين الخليفة في حين نعرف أنَّ دوره القيادي والحكيم أكبر من ذلك بكثير جداً؟، فأنا أرى أنَّ الأمر منحول برمته أو مكذوب بجملته على مجمل الأحداث والقضايا ولا يعني خلوه تماماً من المعقولية والمقبولية لكن لا أطمأن إليه بقدر مساورة الشكوك حول الفتنة الكبرى هذه.
8 / أين هي الخطط البديلة لمقاومة الانتفاضة الشعبية حال قيامها متى كانت وهل كانت السياسة بعامَّة هي ضربة لازب؟ بمعنى: هل كانت إدارة الخلافة والدولة الإسلامية في صدرها الأول عشوائية همجية لا تقوِّمها قائمة من أي اعوجاج يحدث أو قد يحدث؟ لماذا لم تستعمل في فك الحصار أو قمع المتظاهرين أينما كانوا وكيف ولماذا سمح الولاة بتسيير قوافل حتى المدينة لإسقاط الخليفة وحكومته ولم يقمعوها أو يخاطبوها ليثنوها عن فعلها مثلاً؟.
9 / أين المستشارون والوزراء – راجع المصادر آخر هذا الكتاب – وأصحاب البيعة والولاء من الولاة بالأمصار وعُمَّال الأقاليم ومجلس الشورى لعثمان بالخلافة وهم: الزبير بن العوَّام، سعد بن أبي وقَّاص، عبد الرحمن بن عوف، طلحة بن عبيد الله، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر؟ رغم تحولهم فيما بعد حسب قول الرواة والروايات أنهم اتجهوا للتصعيد السياسي معارضة بدلاً من الدعم والتأييد له ومن هذه النقطة بالذات أرى النحل والتكلف والصناعة في صناعة الخبر لأنهم فيما بعد صاروا من شيعة علي بقدرة قادر كيف ذلك الله أعلم.
10 / ما هي امكانيات دولة الخلافة والفتوحات الإسلامية من بيت المال – وزارة المالية بلغة العصر – في تحشيد قوة مناوئة لفك الحصار أو قل: لمنع أي تفلتات أمنية تحدث في المدينة، لماذا لم تُفَعَّل في صد أي هجوم أو تفلتات أمنية وحماية الرئاسة العثمانية وديوان الخلافة، ثم سبب أراه ملحاً على ذهني: ما هو دور معاوية بن أبي سفيان تحديداً في فك الحصار وإرسال الجيوش لإغاثة ابن عمِّه عثمان بحكم وضعيته السياسية ونفوذه الجبَّار في مكافحة الشغب وثبات ولايته في الشام وفلسطين والأردن بعد أن ضمَّها إليه عثمان بعد وفاة أخيه يزيد الذي كان عامله في الأردن؟.
كل هذه الأسئلة المحورية البحثية توطئة لما بعدها من التساؤلات التي أوعزت للعقل الجمعي المسلم تحديداً والعقل الجمعي البشري ومهَّدت له تمهيداً بقبول فكرة التشيع لعلي بن أبي طالب وما قصة عبد الله بن سبأ إلا من هذا القبيل المنحول ببعيد عن الأذهان، وبالفعل نجحت فكرة التشيع لعلي بن أبي طالب في خلق صراع أو لعلَّه كان بينه وبين دولة الخلافة أو الدولة الأموية في الشام ضد معاوية لنشر دين مناوئ أو مكافئ للدين الإسلامي المحمدي على أقلَّ تقدير، والله أعلم لكن هذا ما ترويه الكتب والمصادر وما تراه العيون من إقامة الدولة الدينية في إيران والعراق وسوريا وعموم بلاد الشام حتى تخوم الأردن وتركيا من الشيعة ولا أدري إلى أين ستأخذ الإنسانية هذه المتضادات والتحديات في خلق شيعة وسنة وخلافه بدلاً عن أمة واحدة الإطار متعددة الجهات ذات دين واحد ونبي أخير؟.
( يتبع )
تعليق واحد