أحاول في هذا البحث الإجابة على قدر المستطاع على جملة الأحداث في بيان حقيقة مقتل عثمان من عدمه وسأترك للعقل الفاحص والعين المبصرة أن تشكل رؤية جديدة حول تصحيح التراث التاريخي الإسلامي بشكل جيد وحقيقي ومعقول ومقبول إن شاء الله ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
أنبه القارئ الكريم إلى أنَّ عمدة هذا البحث هو كتاب الأستاذ الدكتور / طه حسين، ( الفتنة الكبرى ، عثمان بن عفَّان ) الذي أملاه في مدينة ميروس بباريس سنة 1947 وأعادت طباعته مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة بتاريخ، 26 / 8 / 2012 بالقاهرة ، والأستاذ الدكتور طه حسين اعتمد على ذات المراجع التاريخية التي اعتمدت عليها أنا في آخر هذا الكتاب مع خلاف في الرؤية والدراسة والتحليل.
علماً بأنَّ طه حسين أسلوبه أسلوب الانطباعي التحليلي الاستنتاجي المتشكك في دراسة قضايا التاريخ والأدب والسيرة النبوية وما أشبه وهو لم يخرج بنتيجة حاسمة أخر فصوله التي أملاها بل ترك عدة تساؤلات بديهية لم يجب عليها لذلك أنا قلت بالأسلوب التحليلي والمنهج الاستقرائي ، كذلك معروف بتفرده وتميزه في علم التشكيك مما يعد طفرة علمية عصرية ومعاصرة حتى يومنا هذا في مجمل البحوث والكتابات من هذا الباب مما يجعلني أثق بقدرته ومنطقه بلا شك ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
موضوع الفكرة
يقول الدكتور طه حسين: “لم يكن نظام الحكم إذن أيَّام النبي ثيوقراطية مقدَّسة وإنما كان أمراً من أمور الناس ، يقع فيه الخطأ والصواب ويتاح للناس أن يعرفوا منه وأن ينكروا وأن يرضوا عنه ويسخطوا ” ص 27.
ويقول “حكم الخلافة الإسلامية الأول لم يكن ديموقراطياً ولا حتى حكم النبي للمسلمين” ص 28، ما معناه ليس فقهاً دستورياً.
قلت: العدل أساس الحكم، وقوام هذا الحكم يكمن في الآتي:
1 / التوزيع العادل للسلطة، بمعنى أن يكون الحكم والخلافة بلغة العصر الحديث ديموقراطياً عبر الاقتراع والانتخاب والنيابة وهو ذاته العدالة السياسية إذ كان النظام البرلماني أقرب لمفهوم الدولة الإسلامية الحديثة وتجربة عمر بن الخطَّاب في الحكم ومقابلة الوفود في موسم الحج والاستماع إلى الشكاوي وتقييم الأداء من الولاة والمحكومين أشبه بقراءة التقارير السنوية في إجازة دورة المجلس التشريعي أو البرلماني الحديث.
2 / التوزيع العادل للثروة، ويكون من الموارد الطبيعية حسب التوزيع الديمغرافي للسكان أو لكل اقطاعية مثلاً ، وهي ذاتها العدالة الاقتصادية لمنع حدوث الفوارق الطبقية ومنع الصراع بين المواطنين فيما يعرف بالصراع بين الهامش والمركز أو بين مركزية اتخاذ القرار المؤسسي وبين تهميش دور الأقليات أو الولايات أو الأمصار الأقل نمواً في القطر الواحد.
3 / العدالة الاجتماعية، ونعني بها بلغة العصر الحديث المساواة المجتمعية فيما يعرف بالضمان الاجتماعي أو الشؤن الاجتماعية أو المساواة في الحقوق والواجبات والالتزامات أو بمعنى أدق: حقوق المواطنة.
4 / الجانب المعنوي، وهو الدين أو إقامة الدين، بمعنى: الضمير الحي اليقظ والمراقبة والمحاسبة والعقاب وإقامة عدالة السماء على أهل الأرض بطريق الأنبياء كما هو معروف.
5 / العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وهي الدستور أو القانون أو التشريعات المحلية وسنَّها وتوزيعها في الأمصار والعمل بها.
6 / الترشيح والانتخاب الحر للخليفة أو أمير المؤمنين أو رئيس الجمهورية، يجب أن يتم بمعايير الكفاءة والنزاهة لا الولاء والمحسوبية والمخاصصة والمحاصصة ، بمعنى ثاني: هل تم الاختيار وفق معيار القوي الأمين أم خبط عشواء بالنسبة لموضوعنا هذا ؟
7 / التعاون والتضامن والشورى والتجديد في أصول القوانين والتشريعات المصاحبة ، بما يعرف اليوم بالبرلمان أو مجلس الشورى.
8 / الرفق بالمحكومين لا إغناء الحكومة منهم بفرض ضريبة فوق طاقتهم وإخلال ميزاني الصادر والوارد أو الانتاج والانتاجية.
9 / العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة ينظمها الدستور أو القانون بلا شك.
10 / العدالة في الحكم كله على غير المسلمين والتي تقع على المستويات الثلاث: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجب أن تكون عدالة بموجب حقوق المواطنة لا التمييز بموجب الدين أو العنصر أو الجهة أو القبيلة أو اللون أو الانتماء أو خلافه.
11 / محاربة العدو واستقباله تكون بالوفاء لا بالغدر وذلك ميزان لا غنى عنه، ولنا في اتفاقية صلح الحديبية خير شاهد ودليل.
12 / الأمانات ورعاية الذمم والاتفاقات بين الناس، يجب أن تكون وفقاً للتوزيع العادل في الثروة والانتفاع من الموارد الطبيعية وتسخير الموارد البشرية في عمليتي الإنتاج والإنتاجية.
فهل عثمان بن عفَّان (ولد في العام السادس بعد واقعة الفيل بالطائف وقتل بين سني ثلاث وستين إلى تسعين سنة ص 45، وتولَّى الخلافة في محرم من السنة الرابعة والعشرين للإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 648 للميلاد، فكانت فترة خلافته أحد عشر سنة تقريباً / 648 م – 659 م / في أثبت ما روى المؤرخون) حقَقَّ تلكم المفاهيم الفقهية الدستورية الإصلاحية لنظام الحكم من الكتاب والسنة / السلف الصالح / التي بويع تحت قسم الولاء وسيرة أبي بكر وعمر بها أم لا ؟ لأنَّ علياً بن أبي طالب رفض البيعة له والعهد على الخلافة في أن يسير سيرة صاحبيه أبي بكر وعمر وقال: (اللهم لا ! ولكن اجتهد في ذلك رأيي ما استطعت) ص 39.
هذا ما تقوم عليه جملة الأحداث في عهد عثمان بن عفَّان حسب ما نقلته المصادر والمراجع وحسب التحليل الاستقرائي لها من جانبنا نحن في العصر الحديث بعد مرور ألف وأربعمائة سنة أو عليها تزيد.
لنرى جانباً آخراً من تضعضع سياسة الحكم عند عثمان بن عفَّان وهو تلخيص أسباب انهيار الخلافة عنده وإسقاطها وارداءه قتيلاً (الفتنة الكبرى) في السنة الخامسة والثلاثين من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة 659 للميلاد ومناقشة ما يمكن مناقشته وتحليل ما يمكن تحليله في المقال القادم.
( يتبع)
تعليق واحد