حديث الساعةسياسة
أخر الأخبار

أجي تفهم.. تبون باع حرية بوعلام صنصال بتوقيع ألماني في بازار السياسة الخارجية

غير أن برلين، بحساباتها الباردة، لن تراهن طويلًا على نظام هشّ يتعامل مع ملف الحريات كأداة ابتزاز دبلوماسي

أولًا وقبل كل شيء، ترى ألمانيا أن الجزائر فاعل ثانوي في منطقة الساحل وليست شريكًا رئيسيًا مثل المغرب أو مصر.

كما أن برلين لا تدعم موقف الجزائر من قضية الصحراء المغربية، بل تؤكد باستمرار على حلٍّ سياسي واقعي ودائم في إطار الأمم المتحدة وهو الحكم الذاتي، وهو ما يُزعج النظام الجزائري الذي يعيش على أوهام الدعاية السياسية.

العلاقة بين الجزائر وألمانيا تظل علاقة مصالح اقتصادية محدودة، يغلب عليها الحذر السياسي وانعدام الثقة، في ظل غياب شراكة استراتيجية حقيقية بين البلدين.

صفقة بوعلام صنصال.. تبون يبيع ورقة حرية التعبير مقابل ودّ ألماني زائل

في خطوة أثارت كثيرًا من التساؤلات داخل الأوساط الحقوقية والدبلوماسية، قرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الإفراج عن الروائي بوعلام صنصال، وذلك بطلب مباشر من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير.

القرار جاء بعد رفض تبون لكل النداءات الأممية والمنظمات الدولية والحقوقية التي دعت سابقًا إلى الإفراج عن عشرات الصحفيين والمعتقلين السياسيين في الجزائر، مما يجعل الخطوة محمّلة بالدلالات السياسية أكثر من كونها مبادرة إنسانية أو حقوقية.

حسابات السياسة لا ضمير الحقوق

لم يكن تبون ليخضع لأي نداء داخلي أو حقوقي مستقل، لولا أن الطلب صدر هذه المرة من برلين، في ظرف دبلوماسي حساس تعيشه الجزائر بعد عزلتها الأوروبية وتراجع نفوذها في الساحل الإفريقي.

حيث أراد النظام العسكري من خلال هذه الخطوة تلميع صورته أمام ألمانيا، التي تُعد فاعلًا اقتصاديًا مؤثرًا في الاتحاد الأوروبي، وإظهار قدر من “المرونة” بعد توتر علاقاته مع باريس ومدريد وبروكسيل.

لكن الحقيقة أن القرار يعكس هشاشة السيادة التي يدّعيها تبون، ويُظهر أن النظام الجزائري لا يستجيب إلا حين تأتي الإشارة من العواصم الكبرى، لا من أصوات الضحايا في الداخل.

فما أكثر مناشدات المنظمات الجزائرية والدولية التي وُوجهت بالتجاهل والإنكار، في حين كان الطلب الألماني كفيلًا بإحداث “انفراج فوري”، وكأن الحقوق في الجزائر تُدار بمنطق المقايضة لا العدالة.

تبون يبحث عن “منقذ جديد” في برلين

يحاول تبون اليوم أن يجعل من ألمانيا شريكًا بديلاً بعد أن فقد بوصلته السياسية في محيطه الأوروبي والإفريقي.

فالجزائر تراهن على الغاز والطاقات المتجددة كورقة تفاوض مع برلين، خاصة بعد الحرب الأوكرانية وحاجة أوروبا إلى بدائل للطاقة الروسية.

ولذلك، جاء الإفراج عن بوعلام صنصال كتحية دبلوماسية مدفوعة بالمصلحة، لا كقناعة بالتحرر أو احترام حرية الرأي.

غير أن برلين، بحساباتها الباردة، لن تراهن طويلًا على نظام هشّ يتعامل مع ملف الحريات كأداة ابتزاز دبلوماسي.

فهي تدرك أن الجزائر لا تقدم استقرارًا سياسيًا ولا إطارًا قانونيًا آمنًا للاستثمار، وأن مؤسساتها خاضعة لسلطة عسكرية لا تؤمن بالشراكة المدنية أو الديمقراطية.

بوعلام صنصال.. بين الحرية والحقيقة

الروائي بوعلام صنصال لم يكن مجرد كاتب معارض، بل مفكر تحدث بجرأة وموضوعية عن التاريخ والجغرافيا والسيادة.

وفي إحدى مقالاته الجريئة وتصريحاته الإعلامية، أشار بوضوح إلى أن الحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بين المغرب والجزائر لم تكن سوى خطوط مصطنعة، وأن جزءًا كبيرًا من الأراضي الجزائرية الحالية هو في الأصل مغربي تاريخيًا وجغرافيًا.

وهو موقف يتناغم مع الحقائق التاريخية الثابتة، ويُفقد النظام الجزائري أعصابه، لأنه يهدم إحدى الأساطير التي بُنيت عليها دعاية النظام منذ الاستقلال.

كما أن ما يروّجه تبون يوميًا عن “السيادة الوطنية” و“القرار الحر” و“احترام الكلمة” لا يعدو أن يكون بروباغندا موجّهة للاستهلاك الداخلي، هدفها تضليل الرأي العام الجزائري والدولي.

فالنظام العسكري الذي يقمع الصحافة ويسجن النشطاء ويخرق الدستور لا يمكن أن يقدم نفسه كمدافع عن الكرامة أو السيادة.

إنه ببساطة نظام يستخدم القمع في الداخل والمساومة في الخارج، وهو ما جسده القرار الأخير الذي باع فيه تبون “ورقة الحرية” في صفقة سياسية قصيرة المدى.

إن الإفراج عن بوعلام صنصال بطلب ألماني لم يكن انتصارا للحرية في الجزائر، بل فضيحة سياسية جديدة تكشف أن تبون لا يتخذ قراراته وفق منطق السيادة، بل وفق موازين الضغط والمصلحة.

والأهم من ذلك، أن ما كتبه بوعلام صنصال حول أصل الأراضي المغاربية لا يمكن محوه باعتقال أو قمع، لأنه حقيقة تاريخية ناصعة تؤكد أن المغرب كان وسيبقى الأصل في الجغرافيا والتاريخ والهوية.

ختامًا، أسقطت هذه الواقعة آخر أوراق التجميل التي يختبئ وراءها النظام الجزائري، وأكدت أن تبون لا يملك مشروع دولة، بل مشروع دعاية تُباع فيه القضايا الحقوقية مثلما تُباع المواقف الدبلوماسية.. لمن يدفع أكثر أو يملك كلمة أقوى.

https://anbaaexpress.ma/wev48

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى