سجّل المغرب خلال عام 2025 طفرة غير مسبوقة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بلغت قيمتها 39.3 مليار درهم مع نهاية شهر غشت، محققة زيادة لافتة بنسبة 43.4 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق ما أعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أمام مجلس النواب.
ويُعد هذا الارتفاع من أبرز المؤشرات الإيجابية التي عرفها الاقتصاد المغربي في السنوات الأخيرة، خصوصاً أنه يأتي في ظرفية عالمية تتسم بالتقلبات الاقتصادية وتراجع جاذبية الأسواق الناشئة.
ومع ذلك، واصل المغرب تعزيز مكانته كوجهة مفضلة للمستثمرين بفضل استقراره السياسي ورؤيته الاقتصادية الواضحة في مجالات الصناعة والطاقات المتجددة والتكنولوجيا والدفاع.
وفي سياق متصل، منحت وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية ستاندرد آند بورز (S&P) المغرب تصنيف “الدرجة الاستثمارية” (Investment Grade)، بعد أربع سنوات من فقدانه بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، معتبرة أن الإصلاحات البنيوية التي اعتمدتها المملكة أسهمت في تحسين المؤشرات الاقتصادية وتعزيز مرونتها أمام الأزمات العالمية.
ويرى محللون ماليون أن هذا التصنيف الجديد يمثل نقلة نوعية في مسار الاقتصاد المغربي، إذ يتيح للمملكة إمكانية الحصول على تمويلات دولية بشروط ميسرة ويُقلّص من كلفة الاقتراض، مما يعزز ثقة المؤسسات المالية والمستثمرين العالميين في متانة الاقتصاد الوطني.
وتُجمع الآراء الاقتصادية على أن استعادة المغرب للتصنيف الاستثماري، بالتوازي مع ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية، سيخلق دينامية جديدة في السوق المغربية، ويشجع دخول رؤوس أموال ضخمة من الصناديق السيادية والمؤسسات الدولية التي تشترط هذا التصنيف كضمان للاستثمار الآمن.
وكان القطاع الصناعي المحرك الأساسي لهذه الطفرة الاستثمارية، حيث شهدت الفترة ما بين يناير وغشت 2025 إطلاق مشاريع كبرى في مجالات الدفاع والطاقة والصناعة التحويلية.
ومن بين أبرز هذه المشاريع، تدشين مصنع تابع لمجموعة “تاتا” الهندية بمدينة برشيد لإنتاج المركبات العسكرية، في خطوة تعد الأولى من نوعها في شمال إفريقيا، وتعزز موقع المغرب كقوة صناعية صاعدة في المجال الدفاعي.
كما شهدت قطاعات الطاقة المتجددة توسعاً ملحوظاً، مع دخول استثمارات أوروبية إضافية في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية جنوب البلاد، إلى جانب مشاريع في الصناعات الكيماوية والبطاريات الكهربائية التي تندرج ضمن الرؤية الوطنية للتحول الطاقي.
ويرجّح خبراء الاقتصاد أن تؤدي هذه الدينامية المزدوجة بين استرجاع الثقة الائتمانية وارتفاع تدفقات الاستثمار، إلى مزيد من الزخم خلال العامين المقبلين، خصوصاً مع اقتراب المملكة من الاستحقاقات الكبرى المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030، التي تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمجالات السياحية والرياضية، ما يعزز مكانة المغرب كمنصة اقتصادية واستثمارية رائدة في المنطقة.




