آراءأفريقيا
أخر الأخبار

لا زالت الجراحات تُنكأ

دكتور/حسن شايب دنقس

لا تزال مأساة أهلنا في الصالحة والفاشر تكتب سطوراً دامية في سجل معاناة هذا الوطن المنكوب إذ تتعرض هذه المناطق منذ أسابيع لحملة تصفيات جماعية وحشية ترتكبها مليشيا الدعم السريع دون رادع أو وازع من ضمير كل يوم يمر تتحول فيه هذه الأرض الطيبة إلى ساحة مفتوحة للقتل والتنكيل مشاهد تقشعر لها الأبدان وتتجدد معها جراحات لم تندمل بعد.

في الصالحة وعلى مرأى ومسمع من العالم تجري عمليات إعدام ميداني ممنهج ضد المدنيين العزل حيث أصبحت أرواح الأبرياء مجرد أرقام تتداولها التقارير الحقوقية بلا أنين يحرك الضمائر الراكدة تقتحم البيوت وتنهب الممتلكات وتدمر الأسواق فيما يؤخذ الرجال إلى مصير مجهول لا يعود منه إلا خبر الإبادة الجماعية الأسر تفجع كل يوم والأمهات ينتحبن تحت صمت عالمي مريب ومخزٍ.

أما الفاشر قلب دارفور النابض فتحولت إلى مسرح للمآسي والمذابح الجماعية تجري أمام أعين الجميع عمليات تطهير عرقي ممنهجة ترتكب فيها أبشع الجرائم من قتل جماعي و ما أحداث معسكر زمزم عنكم ببعيد انتهاكات صارخة للكرامة الإنسانية تقتلع العائلات من جذورها دون أن يتحرك المجتمع الدولي إلا ببيانات شجب لا تسمن ولا تغني من جوع المدينة التي كانت بالأمس موطناً للتعايش والتنوع الثقافي والاجتماعي أصبحت اليوم جحيماً يعج بالموت والرعب.

تروي شهادات الناجين مشاهد تقطر رعباً وألماً حيث يتم اعتقال الشباب بشكل جماعي ويساقون إلى مصير مجهول وتتعرض النساء لشتى أنواع الانتهاكات دون رحمة أو وازع من أخلاق أو إنسانية المدارس والمستشفيات لم تسلم من هذه الجرائم فقد تم إستهدافها و تدميرها و فيما يكابد السكان ما تبقى لهم من حياة وسط حصار خانق يمنع عنهم الغذاء والدواء والماء.

اللافت أن هذه الجرائم تتم وسط حالة صمت مخيف سواء من القوى الإقليمية والدولية و من المنظمات التي لطالما إدعت الدفاع عن حقوق الإنسان في الوقت الذي كان يفترض أن تكون الفاشر والصالحة رمزين للصمود أريد لهما أن تكونا عبرةً لمن تسول له نفسه المطالبة بالكرامة إنها سياسة الأرض المحروقة تنفذ بلا هوادة وسط تجاهل مخزٍ لمبادئ العدالة والإنسانية.

لا زالت الجراحات تُنكأ ولا تزال صرخات الضحايا ترتد في صمت هذا العالم المرهق بالصراعات والمصالح ومع كل روح تزهق ظلماً يتجدد السؤال المرير لى متى يبقى الدم السوداني رخيصاً إلى هذا الحد؟ ومتى تستفيق الضمائر التي يبدو أن رياح المصالح قد غيبتها طويلاً عن سماع أنين هذا الشعب الجريح؟

أكتب كما لم أكتب من قبل و قلبي يتفطر حزناً فما حدث من تصفيات جماعية لإخوتي في الصالحة والفاشر لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي لقد عرفت هذا الوجه القبيح من قبل حين مررت بتجربة اعتقال بيد مليشيا الدعم السريع يومها لم أكن مجرد معتقل كنت شاهداً على ما يمكن أن يفعله الانفلات حين يتحول السلاح إلى سلطة مطلقة بيد لا تعرف الرحمة في تلك اللحظات القاسية داخل المعتقل أدركت أن هؤلاء لا يرون فينا بشراً بل أهدافاً مباحة كرامتنا عندهم لا تساوي شيئاً كنت أرى في أعينهم تلك الرغبة المتوحشة في الإذلال ذلك العنف الذي لا يبحث عن مبرر سوى القوة العارية وقد كنت أوقن أن ما عشته لن يتوقف عند حدود السجون الضيقة بل سيتسع يوماً ليشمل مدناً وقرى وأرواحاً كثيرة بريئة اليوم حين أرى و أسمع عن إخوتي الذين يصطفون ويساقون إلى حتفهم بدم بارد في الصالحة والفاشر لا أشعر بالدهشة أشعر بالألم فقط وأشعر بالخذلان الأكبر حين أرى العالم يشيح بوجهه بعيداً كأن الدم السوداني ماء لا يثير عطش الضمير الإنساني.

إن ما يحدث الآن هو امتداد لذلك العنف الذي عرفته عن قرب إنها ذات الأيادي وذات العقول المريضة وذات الحقد الذي لا يرتوي إلا بخراب البيوت وسفك الأرواح وما كنت أخشاه يوم كنت قيد الاعتقال أراه اليوم يتمدد في كل شبر من أرضنا بلا حساب ولا عقاب.

إننا ننزف… وما زلنا نحلم أن يكون في هذا العالم مكان لصوتنا قبل أن تلتهمنا النكبات واحداً تلو الآخر.

* مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

https://anbaaexpress.ma/iqgvy

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى