في مداخلة لافتة على شاشة القناة المغاربية، وجّه رشيد عوين، مدير منظمة شعاع لحقوق الإنسان، نقدًا لاذعًا لما وصفه بـ”السردية الرسمية” للنظام الجزائري حول ريادته في مجال مكافحة الإرهاب، معتبرًا أن هذه الرواية باتت اليوم عرضة للتشكيك والتآكل، بعد عقود من الترويج لها كأحد أعمدة السياسة الخارجية والأمنية للجزائر.
وقال عوين إن النظام الجزائري لطالما قدّم نفسه كـ”خبير إقليمي” في التصدي للإرهاب، واستثمر هذه الصورة لبناء شراكات استراتيجية مع قوى دولية، على رأسها فرنسا والولايات المتحدة، حيث شكّل هذا الملف حجر الزاوية في كثير من التفاهمات الأمنية والدبلوماسية.
غير أن هذه السردية بدأت اليوم تتعرض لتصدعات خطيرة، نتيجة تقارير وشهادات، بعضها صادرة عن ضباط منشقين، تكشف عن تورط أجهزة الدولة في اختراق الجماعات المسلحة، بل وقيادتها أحيانًا لتحقيق أهداف سياسية وأمنية.
وأشار مدير منظمة شعاع مقرها لندن، إلى أن محاكمة الجنرال حسان، أحد أبرز رموز جهاز المخابرات السابق، تشكّل نقطة مفصلية في انهيار هذه السردية، لما حملته من دلالات على الصراع داخل أروقة السلطة، ووجود ملفات حساسة أُخرجت للعلن بشكل غير مسبوق.
كما أعاد التذكير بحادثة تيقنتورين، التي اتُّهمت فيها السلطات بالتقصير أو حتى التواطؤ في إدارة أزمة احتجاز الرهائن، مما زعزع ثقة الشركاء الدوليين في فعالية المنظومة الأمنية الجزائرية.
الأخطر، بحسب عوين، أن بعض الدول لم تعد تكتفي بالصمت، بل بدأت توجه اتهامات مباشرة للنظام الجزائري بالتواطؤ أو التورط في دعم تنظيمات مصنفة إرهابية في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. وهو ما قد يشكل ضربة قاصمة لمكانة الجزائر كفاعل “موثوق” في ملف مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا.
وأضاف مدير شعاع أن ما كان يُنظر إليه في الماضي كـ”رأسمال دبلوماسي” للجزائر، قد يتحول اليوم إلى عبء ثقيل، خاصة في ظل المستجدات الجيوسياسية والتغير في أولويات الشركاء الدوليين، الذين باتوا يولون أهمية متزايدة لملفات الشفافية وحقوق الإنسان والمساءلة.
خلاصة القول: مداخلة رشيد عوين تفتح الباب واسعًا لإعادة قراءة العلاقة بين الدولة الجزائرية ومكافحة الإرهاب، بعيدًا عن الخطاب الرسمي المكرّس، وتدعو إلى مراجعة شاملة لمفهوم “الريادة الأمنية” الذي لطالما افتخر به النظام، لكنه اليوم يبدو أقرب إلى “قناع يتآكل” تحت ضغط الحقائق والتقارير والشهادات.
ختامًا، فإن تهاوي سردية مكافحة الإرهاب ليس مجرد تصدع في خطاب النظام الجزائري، بل مؤشر على اهتراء شرعيته الداخلية والخارجية. ومع تزايد الاتهامات وفقدان المصداقية، يبدو أن هذا النظام يقترب أكثر من أي وقت مضى من نهايته المحتومة.
تعليق واحد