عن دار صبري يوسف للنشر والتوزيع في ستوكهولم، صدر كتاب نقدي جديد بعنوان “تصوير الهامش وشعرية الخطاب في السينما الإيرانية” للناقد والمخرج اليمني حميد عقبي ـ المقيم بباريس ـ يتناول بالنقد والتحليل مجموعة واسعة من الأفلام الإيرانية المعاصرة، التي أثبتت نفسها بوصفها من أكثر التجارب السينمائية حضورًا وتأثيرًا على الساحة السينمائية العالمية، رغم القيود والرقابة.
يتألف الكتاب من 229 صفحة ويضم 25 دراسة تحليلية لأفلام متنوّعة تعود لمخرجين مثل جعفر بناهي، أصغر فرهادي، سميرة ومخملباف، بوران درخشندة، مجيد مجيدي، تهمينة ميلاني وآخرين.
يُركّز الكتاب على البعد الإنساني والجمالي والفني المشترك بين هذه الأفلام، والذي يتمثل في القدرة على التقاط ما هو هامشي، صامت، متواري، وتحويله إلى مركز للسرد والتفكير. في هذه الأفلام، لا يكون الإنسان كائنًا سطحيًا في مواجهة السلطة أو الواقع، بل يُقدَّم ككائن حالم، حساس، هشّ، يبحث عن الحب والكرامة، في بيئة قاسية ومعقدة دون تقديم بطولات مزخرفة.
ومن خلال قراءات متعددة، حاول حميد عقبي، أن يكشف كيف أن أفلامًا مثل “ثلاثة وجوه”، “التفاحة”، “صه! الفتيات لا يصرخن”، “أبناء المدينة الجميلة”، “حيران”، “الطفل الرابع”، “أغنية العصافير”، تتشارك في تقديم شخصيات مهمّشة (المرأة، الطفل، المعاق، المنفي، الفقير…) دون جعلها ضحايا تعيش القهر لغرض كسب تعاطفنا، بل كمراكز دلالية قوية تُسائل العالم وتكشف هشاشته الأخلاقية والروحية.
هذه الشخصيات غالبًا لا تصرخ ولا تبكي لا تبتعد عن الميلودراما، لكنها تُجبر المتلقي على الإصغاء إليها. لا ترفع شعارات سياسية مباشرة، لكنها تُجسد أسئلة وجودية عن الحب، الحلم، الألم، والانتماء، والبحث عن المستقبل.
وفي مقابل ذلك، تعتمد السينما الإيرانية على لغة خالية من الزخرفة، لكنها مشبعة بالصمت والتفاصيل الصغيرة، لتُعيد تشكيل المعنى بعيدًا عن الخطابات الرنانة أو الوعظ.
يتّبع عقبي في تحليله لهذه الأفلام منهجًا يقوم على الإنصات للصورة دون إخضاعها للنظريات الجاهزة. فالتحليل لا يستعرض، بل يُنقّب في تكوينات اللقطة، إيقاع المشاهد، توتر الصمت، وتفاعل المكان بالشخصية. يُبرز الكتاب كيف تتحول التفاصيل الصغيرة والأشياء الهامشية – نافذة، درج، مرآة، طريق ترابي – إلى رموز شديدة التعبير عن أزمات داخلية كبرى ترفض السلطة مناقشتها.
لم يكتفِ الكتاب برصد جماليات هذه السينما، حاول أن يتوقف أمام الكثير من أسئلتها الكبرى: كيف يُمكن للإنسان أن يحيا في بيئة تخنقه؟ ما الذي يبقى من الحب في ظل الرقابة الاجتماعية؟ ما مصير الجسد الأنثوي في ظل نظام قمعي؟ ما علاقة الطفولة بالبراءة والخلاص؟ لماذا تتعقد العلاقات الإنسانية في هذا المجتمع؟ كيف ينظر البسطاء إلى واقعهم وكيف يحللونه؟
تفتح هذه الأسئلة أبوابًا في الأفلام التي تناولها الكتاب، دون تقديم أجوبة نهائية. فكما هو حال فيلم “بخصوص إيلي”، يبقى المتلقي أمام غياب الحقيقة، ومرونة الرواية، وتعدد زوايا النظر.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في تسليط الضوء على سينما استطاعت أن تفرض حضورها عالميًا، من دون ميزانيات ضخمة أو دعم مؤسساتي واسع، فقط بجمال الفكرة، وصدق المشهد، وعمق الصورة.
حميد عقبي، مخرج وكاتب سينمائي ومسرحي، متنوُّع النَّشاطات الإبداعيّة (الفن التَّشكيلي الشِّعر، كتابة الرِّواية والقصّة القصيرة).
صدر لعقبي هذا العام أيضًا كتابين هما:
كتاب قضايا المهمشين وتصوير الهامش في السينما العالمية: تأملات في خمسين فيلمًا حول العالم، عن دار المجلة العربية للترجمة في لندن.
وكتاب السينما الشعرية: بحثٌ عن المقدّس.. وأسئلة حول سينمائية القصيدة الشعرية، الطبعة الثانية، عن دار الدراويش للنشر والترجمة في المانيا وبلغاريا.
Le cinéma de poésie : une quête du sacré / suivie de la question sur l’adaptation du poème au cinéma
له تسعة كتب سينمائية سابقة، أخرج عشرة أفلام قصيرة، له 17 رواية نشرت في 15 كتاب عن دور نشر متعدِّدة في المانيا والمغرب العربي ومصر، كما نشر عقبي خلال السَّنوات الثّلاث الأخيرة ستة أعمال شعريّة و4 مجاميع قصصيّة و16نص مسرحيّ، له كتب باللُّغة الفرنسيّة، تُرجمَت بعض أعمالهِ إلى الإنجليزيّة، الألمانيّة، الفرنسيّة والإيطالية، وهو ناشط ثقافي يدير المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح في باريس والّذي ينظِّم ندوات نقديّة وأدبيّة وفنّيّة منذ عام 2018.