آراءسياسة
أخر الأخبار

الأحزاب السياسية السودانية.. أُفٍ لكم مما تصنعون

ما تعانيه الدولة السودانية اليوم من حروب و نزاعات مرده إلى أحزاب سياسية هشة تفتقر إلى كل معايير و مقاييس الأحزاب السياسية

دكتور/ حسن شايب دنقس

يفتقد الخطاب السياسي للمعارضة السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم إلى وحدة الرؤية والمشروع الوطني الشامل، فغالباً ما كان الخطاب يتسم برد الفعل لا بالفعل ويغلب عليه الطابع الانفعالي والموسمي المرتبط بتقلبات الأوضاع السياسية.

لم تنجح المعارضة في بناء سردية متماسكة حول هوية الدولة السودانية ولا حول طبيعة النظام السياسي الذي تسعى إليه، فكانت المطالب تتغير بحسب اللحظة السياسية والجهة الفاعلة دون أن تتبلور في وثيقة جامعة تقود الوعي الجمعي نحو مشروع تغييري واضح وملزم.

كذلك ظل الخطاب يعاني من ضعف في ربط القضايا الكبرى بمطالب الجماهير اليومية، فتتحدث عن الديمقراطية المزعومة بمعزل عن معاناة الناس في معاشهم وعن العدالة الاجتماعية، دون أن تخاطب اختلالات المركز والهامش بلغة تتجاوز التوظيف السياسي.

كما اتسم الخطاب بالعزلة عن القواعد الشعبية حيث ظل محصوراً في النخب المدنية أو الحزبية غير قادر على ترجمة طموحات الشارع، إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ مما أدى إلى فقدان الثقة بين الجماهير وقيادات المعارضة.

المعارضة أيضاً لم تضع نموذجاً بديلاً يمكن أن تلتف حوله قوى التغيير المختلفة، فحتى عندما أسقطت الأنظمة الحاكمة لم تمتلك تصوراً لما بعد السقوط ما جعلها تدخل في صراعات داخلية و تفاهمات هشة تعيد إنتاج الأزمة كما افتقر الخطاب إلى المراجعة النقدية الصريحة للتجارب السابقة..

فغالباً ما يتم القفز فوق الأخطاء و تحميل المسؤولية للآخرين دون الإقرار بالمساهمة في الفشل الوطني، ويمكن القول إن غياب الخطاب الاستراتيجي المؤسس على تحليل عميق لبنية الدولة السودانية وتاريخها السياسي و الاجتماعي قد جعل المعارضة تعمل في دائرة مفرغة تتغير فيها الوجوه..

بينما تبقى الأنماط القديمة في إدارة الصراع السياسي هذا الغياب للسردية الجامعة جعل المعارضة غير قادرة على تمثيل تطلعات كل فئات الشعب، خاصة في الأقاليم التي عانت من ويلات الحرب لطالما شعرت بأن خطاب المعارضة لا يختلف كثيراً عن خطاب السلطة من حيث الإقصاء، للأسف ظل الخطاب المعارض في السودان يعاني من التشتت- غياب المشروع الوطني- ومحدودية الأفق الاستراتيجي- مما جعله عاجزاً عن التحول من حالة الرفض إلى حالة البناء.

ما تعانيه الدولة السودانية اليوم من حروب و نزاعات مرده إلى أحزاب سياسية هشة تفتقر إلى كل معايير و مقاييس الأحزاب السياسية، أنتجت ما يسمى بنخب سياسية كانت و لا زالت و ستظل عبئاً على الممارسة السياسية في البلاد مالم تتم صياغة أفكارها و برامجها السياسية وفق المصالح الوطنية..

يا أيتها الأحزاب السياسية في البلاد أُفٍ لكم مما تصنعون.

* مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

https://anbaaexpress.ma/swm7v

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى