ما أعظم كرم الله حينما ينزل غيثه على أرض عطشى بعد سبع سنوات عجاف، فتخضر الحقول وتمتلئ السدود وتنتعش النفوس ببركات السماء.
شهد المغرب هذا العام موسمًا مطيرًا أعاد الحياة للزراعة وسقى الأرض التي كادت أن تتشق من الجفاف، وكأن الرحمة الإلهية جاءت لتكافئ الصبر والطاعة، ولتجدد الأمل في مستقبل واعد مليء بالخيرات.
لكن، وكما أن الله يُكرم عباده برحمته، يأبى بعض البشر إلا أن يلوثوا هذه النعم بظلمهم، فيصبغوا أرض الخير بدماء الأبرياء ويعكروا صفو هذا الشهر الكريم بجرائم تهز الضمير الإنساني.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة رمضان ليكون شهر الأجواء الروحانية وشهر التقوى، شهدت البلاد موجة من الجرائم المروعة، وكأن بعض النفوس امتلأت بالشر حتى لم تعد تميز بين الحلال والحرام، بين الأمن والإجرام.
أم تذبح ابنتها بدم بارد، في مشهد تقشعر له الأبدان، وكأن الرحمة نزعت من قلبها، فحولت فلذة كبدها إلى ضحية لغضب أعمى.
وعم يغتصب ابنة أخيه ثم يقتلها، في جريمة تجمع بين الفاحشة وسفك الدماء، وكأن هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن ليهدي الناس إلى الحق، أصبح لبعضهم فرصة لممارسة أبشع صور الظلم والطغيان.
ودركي يغتصب 14 فتاة قروية قاصرة، ليستغل سلطته في هدم براءة الطفولة ويدنس طهارة المكان، في واقعة فجرت غضب شعبيا، وجعلت التساؤلات تتصاعد حول حماية الفئات الضعيفة من جرائم من يفترض أن يكونوا حماة المجتمع.
ويحاول البعض ربط تصاعد العنف خلال رمضان بظاهرة “الترمضينة”، حيث يؤدي الصيام واضطرابات النوم إلى زيادة التوتر والانفعال.
لكن هل هذا مبرر؟ وهل يمكن للصيام أن يكون سببًا لجرائم بهذا القدر من الوحشية؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك ويتعلق بتراجع القيم والأخلاق في بعض الأوساط؟.
وختاما، نحن بين خيارين: إما أن يكون رمضان فرصة لمراجعة الذات، والتقرب إلى الله، ونشر الخير في الأرض، وإما أن نسمح لهذه الجرائم أن تلوث معاني هذا الشهر الكريم، فتغرق القيم في مستنقع الانحطاط. الخير والشر كلاهما موجود، لكن أي طريق نختار؟