تتمة
2 / أحد الأسباب التي تؤدي إلى اللجوء والنزوح وبالتحديد هنا اللجوء الإنساني هي العوامل الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية وما إلى ذلك، وأبرزها اثنين: عدم وجود الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة بسبب الحروب أيَّاً كان نوعها؛ والسبب الثاني: الفقر والبطالة والعجز عن الإنتاج وتعطيل أسباب العمل والنمو الاقتصادي والاجتماعي في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها دولة ما؛ فالتحرك الطبيعي للحفاظ على الحياة هو البحث عن مصادر تسد رمق الجوع ورهق الحرب أو الوبائيات أو الكوارث الطبيعية وما أشبه؛ فكان من الطبيعي بعد وصول نبأ تطور بلاد مصر وسمعة عزيزها العظيمة أن تكون الوجهة إلى هناك.
3 / إخوة يوسف ولجؤهم إلى مصر كمثال بمثابة لجوء فئة كبيرة من المواطنين السودانيين إلى مصر وإثيوبيا واريتريا وتشاد وجنوب السودان ويوغندا وبعض دول أفريقيا هرباً من الوضع الأمني المفكك والحرب الأهلية السودانية الآن في السودان 15 أبريل 2023 وإلى الآن بذات الأسباب والمسببات والدواعي والدوافع وهي رحلات وتدفقات بشرية طبيعية كما حدث من قبل في دولة راوندا عند الإبادة الجماعية بين الهوتو والتوتسي التي أزهقت أرواح ما يقارب الاثنين مليون إنسان سنة 1994 وما هو معلوم بالضرورة وليس إخوة يوسف أول من فعل ذلك لكنهم أثبت في التاريخ البشري من فعل ذلك.
4 / لاحظ عملية إحداث التغيير الديمغرافي للوطن البديل أو ما يعرف اليوم بـ “التوطين” لدولة ثانية أو ثالثة من مهجره الأول أو الدولة الأم؛ وتتم عملية التوطين بتدرج وسلاسة عبر القنوات الرسمية للدولة ومنظمات المجتمع المدني والدولي وحقوق الإنسان عبر اتفاقات دول أعضاء مجلس الأمم المتحدة وقانونها المنظم لمثل تلك الهجرات منظمة الهجرة الدولية مثالاً، لكنها بطبيعة الحال تعني إعادة التركيبة الاجتماعية للدولة الجديدة أو ظهور بعض التعديلات الدستورية العليا في البلاد كما حدث مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية لتسنم باراك أوباما مقاليد الحكم فيها قبل عُدَّة سنوات وما حدث في بريطانيا من تسنم رئيس وزراءها الهندي الجنسية للوزارة الفاعلة في السلطة وهكذا نماذج فالأمر عادي جداً لمن يتأمل المواقف ويعقد المقارنات.
5 / آخر الأمر تمَّ إعادة التوطين لإخوة يوسف من أرض كنعان ومعهم جماعة كبيرة من ذات المنطقة إلى بلاد مصر؛ بحجة أخذ يوسف لأخيه بنيامين وضمه إليه ليقبل يعقوب طبيعة الأمر القادم والبقاء في مصر؛ وهذا ما يحدث عادة في عصرنا الحالي بما يسمى بــ “لم الشمل” بأميركا وأوروبا وغيرها مع بعض الفوارق تقديراً لا نوعاً إذ الاختلاف في النوع عند العرفان يمتنع ويقبل اختلاف التقدير فافهم يا هذا.
تحويل الرؤيا المنامية لواقع
عادت الدورة من جديد وأرسى المولى عز وجل في النفس البشرية طلائع العلاقة بينه والناس من طريق المخاطبة لهم بأحد ثلاث طرق:
1 / من طريق الوحي؛ وهو الإلهام المباشر من الله للنفس البشرية لمراده.
2 / من وراء حجاب؛ وهي الرموز والكنايات والصور وأبرزها حجاب اللغة ومن ثم حجاب الأشياء والأحياء، فهو يحدثنا بها في كل آنٍ وحين ومنا من يعقلها ويفهمها ومنا من يجهلها جهلاً شنيعاً.
3 / أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء؛ وهو التكليف المباشر من الله للرسل والأنبياء ليبلغوا مراد الله عنه لهم من أجل الإصلاح المجتمعي الكوكبي.
خلاصة مستفادة من أحسن القصص
نستخلص من هذا بعموم السورة بعينه ما أراد الله تبيينه للناس بسورة يوسف أنَّها أحسن القصص؛ وبالذات قضية الوحي من طريق الرؤى المنامية أو اليقظة للنبي محمد تحديداً وتمهيداً لمجيئه آخر الزمان، لأنَّها قضية مفصلية في شكل العلاقة بين الله والناس تستمر أبد الدهر بلا ريب.
أخذ العظة والعبرة والتأمل من السورة في كونها أرست دعائم إدارة الدولة والمجتمع المدني بدأ من الأسرة الصغيرة إلى المجتمع الدولي بذات النمط المنموط مع أخذ الفارق في الزمان والمكان تقديراً بحكم التطور للناس من طريق الفكر والعمل وبحكم الوقت نفسه من إعمار النفس والأرض وما بينهما من تلاقي.