آراءسياسة

عصر القراصنة والأباطرة

إن النموذج (الفلسطيني) و (الأمريكي) في العالم هو عصر القراصنة والأباطرة

مايحدث في غزة في شتاء 2024 يذكر بما جاء في كتاب (قراصنة وأباطرة) لـ (نعوم تشومسكي) أن قرصاناً وقع في أسر الاسكندر الكبير الذي سأله كيف تجرؤ على إزعاج البحر؟ كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان: لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأدعى لصاً. وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم يدعى امبراطوراً.

فهذه هي قصة أمريكا والعالم اليوم.

يقول (تشومسكي) “إن جواب القرصان على الإمبراطور كان (أنيقاً وممتازاً) لأنه (يلتقط بدقة العلاقة بين الولايات المتحدة ومختلف اللاعبين الصغار على مسرح الإرهاب الدولي”.

إن النموذج (الفلسطيني) و (الأمريكي) في العالم هو عصر القراصنة والأباطرة. فأما الأول فيذكر بقصة الشقي (بانشو فيا) الذي بدأ حياته عام 1910م كزعيم عصابة لقطع الطرق. وعندما اندلعت الثورة في المكسيك تحول الرجل بين ليلة وضحاها إلى بطل شعبي فأخذ “ينهب القطارات ويعطي المال للفقراء ويقود غارات جرئية ويسحر النساء بمغامراته الفروسية” وكان يبدو كمزيج بين روبن هود ودون جوان.

وأخيرا بعد قتال مرير انتصر في الثورة الجنرال (كارنزا) وعاد بانشو فيا مدحورا إلى وطنه في ولاية (شيهواهو) الشمالية وبدأ تحت دافع اليأس يشتم أمريكا. ولكنه في عام 1916م عبر الحدود الأمريكية وقتل في (كولومبوس) بولاية نيومكسيكو هو وعصابته 17 أمريكياً.

وكان رئيس الجمهورية يومها (وودرو ويلسون) الذي حثه فريق الصقور من حوله أن قوة كبرى بحجم الولايات المتحدة يجب أن ترد الصاع بعشرة. وفعلاً أرسل الرئيس الأمريكي عشرة آلاف جندي في مارس 1916م أخذت أسم (الحملة العقابية) تحت أمرة بيرشنغ ولكن الذي حدث أن ” الشعب المكسيكي الذي سخط على فيا عندما عاد إلى قطع الطريق صار يعبده لأنه يواجه جيشا أمريكيا قويا وبدأ الناس يعطون بيرشنغ معلومات مضللة” وبقي (فيا) حرا طليقا وبدأ أنه يسبق الأمريكيين دوما بخطوة إلى الأمام. ومع حلول صيف العام كثفت أمريكا الحملة إلى 123 ألف جندي ولكن لم يجنوا سوى الحر والغبار والبعوض.

وفي يناير عام 1917م فشلت الحملة العقابية وانسحبت القوات الأمريكية “في تراجع من اكثر الأنواع إذلالاً”
وأما (النموذج الثاني) فأمريكا هي التي أسقطت في أكتوبر 1976 م طائرة كوبية بقنبلة قتل فيها 73 راكباً بمن فيهم كل الفريق الكوبي الأولمبي حامل الميدالية الذهبية.

وأمريكا هي التي ضربت عواصم عربية بما فيها ملاجيء المدنيين، وأمريكا هي التي ألقت القنبلة النووية على هيروشيما، وأمريكا هي التي أبادت السكان الأصليين في أمريكا بالبنادق ووضعت بقاياهم في (محميات)، وأمريكا هي التي تمد إسرائيل بخيل ورجال منذ نصف قرن بما فيها تمكينها من بناء السلاح النووي بما يهدد السلام العالمي، وأمريكا هي التي تعيق العدل العالمي بنظام (الفيتو) الذي هو الشرك الأعظم في العالم اليوم.

وأمريكا هي التي انسحبت مع إسرائيل من (مؤتمر دربان) بسبب لمس مشكلة العنصرية عام 2001. وأمريكا هي التي قامت بالانقلاب على مصدق في إيران بكلفة زهيدة من خمس ملايين من الدولارات وتجنيد المرتزقة على يد الاستخبارات المركزية ونهب إيران لفترة 28 سنة لاحقاً، وأمريكا هي التي هددت (محكمة العدل الإنسانية) في حال طلب أحد رجالها للقضاء العالمي الذي وقعت عليه 132 دولة، أنها سوف تنقذه بالقوة المسلحة وفي مجلة (در الشبيجل) الألمانية (عدد 44 – 2001) جاء في مقالة الهندية (أراندهاتي روي Arundhati Roy) داعية السلام تحت عنوان “الحرب تعني السلام أو السلام هو الحرب” ثم قامت باستعراض ” لائحة الحروب الأمريكية:”1953- 1950 كوريا-غواتيمالا 1954 و 1967-1969–اندنوسيا 1958- كوبا 1961-1959 – كونجو 1965- لاوس 1973- 1964- فيتنام 1973-1961- كمبوديا 1970-1969 – جرينادا 1983 – ليبيا 1986- سلفادور في الثمانينات وكذلك نيكاراغوا- باناما 1989- العراق 1991.

وعلقت على أحداث 11 سبتمبر أنها غيرت أمورا جوهرية خمسة: الحرية والتقدم والرفاهية والتقنية ومفهوم الحرب. لتصل إلى جملة لاذعة: إنهم يريدون منا أن نعتبر فجأة أن الخنازير أصبحت خيلا وأن العذارى انقلبت ذكورا وأن الحرب هي السلام؟ وعند ظاهرة الطالبان تقول إن حرب العشرين سنة كلفت 40 مليار دولار في أفغانستان وسبعة ملايين لاجيء ومليون ونصف قتيل وعددا من الألغام الأرضية يفوق عدد السكان تقدر بحوالي15 مليون لغم أرضي ضد الأفراد يموت من انفجارهم كل شهر أربعين من الأطفال. ”

وإذا كان التقدم والحداثة قد دخلت أفغانستان فقد جلب التقدم على صورة مدفع فوق ظهر حمار” فلم تعرف أفغانستان سوى صناعة الموت وانتزعت الرحمة من قلوبهم، لنكتشف بمرارة أن حرب الجهاد الإسلامية لم تكن إسلامية بقدر أنها كانت حربا أمريكية خاضها شباب مسلمون مغفلون. حتى قال بايدن وهو ينسحب صدق من قال : أفغانستان مقبرة الامبراطوريات.

إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة.

إنها لائحة للجرائم لا تنتهي على يد الإمبراطور الذي ينافق له الجميع اليوم .إنه بقدر ما يوجد داخل أمريكا (حرية تفكير) بقدر ما يوجد فبركة (لحرية التعبير) كما يقول تشومسكي في كتابه (أباطرة وقراصنة) بقدر ما يوجد قرصنة وإرهاب للآخرين خارج أمريكا فهذه هي المعادلات الثلاث التي تحكم أميركا.

لن يكون هناك سلام أو طمأنينة طالما كان العالم مكون من شريحتين: مستكبرين ومستضعفين. أحدها مكونة من 20 % من الأغنياء يأكلون 80 % من خيرات العالم، وطالما لا يحتكمون إلى كلمة السواء. وعندما أرسل “محمد” صلى الله عليه وسلم رسله إلى العالم طالبهم “بكلمة السواء” أن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.

فهذا هو التوحيد الذي جاء به الإسلام. ولكن أمريكا تريد أن تجعل من نفسها قوة فوق بشرية تمنح وتمنع وتذل وترفع. وجرت سنة التاريخ أن الكبرياء يسبق السقوط كما جاء في الإنجيل.

وأن باب (هلاك الأمم) هو إقامة الحد على الضعيف دون القوي. إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والشريف الأمريكي اليوم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. والضعيف العراقي يقام عليه الحد لأنه انتهك أمن العالم.

إن الانتحار بسبب اليأس لا يحل مشكلة، ولكن يجب استحضار سيكولوجية المنتحر. ويذكر (نورمان فنكل شتاين) عالم السياسة الأمريكي والناقد اليهودي بمرارة عن أمه التي نجت من محارق النازية أنها كانت تتمنى من كل قلبها أن لا يُبقي الروس والحلفاء حجرا على حجر في ألمانيا وأن يقتلوا كل ألماني ويدمروا كل شيء ألماني.

“إنها كانت تتمنى لهم الموت في كل ثانية من اليوم لأنها واجهت الموت على يدهم كل لحظة من كل نهار”.

https://anbaaexpress.ma/yvhis

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى