آراءمجتمع

أولادنا في كندا.. ومصير الذراري

لعل السؤال الأكبر في المهجر هو لماذا غادر القوم أوطانهم حيث تشرق الشمس إلى بلاد مثل كندا تغرب فيها الشمس وتنزل الحرارة إلى أربعين تحت الصفر

التقيت في أحد دول الخليج بطبيب جراح اختص في أمريكا فودعها وحمل عشرة من أطفاله من جنات ونهر إلى بلاد الحر والغبار والضجر. سألته لماذا القدوم؟ قال:

خشيت على أولادي من الفتنة فأحضرتهم إلى بلاد تحكمها الشريعة ويسمعون اللغة العربية! قلت له ولكن العربية غادرت هذه البلاد وحلت محلها لغة ريتشارد قلب الأسد، وأما الإسلام فقد غادر هذه البلاد منذ أيام كافور الأخشيدي وقراقوش!

لعل السؤال الأكبر في المهجر هو لماذا غادر القوم أوطانهم حيث تشرق الشمس إلى بلاد مثل كندا تغرب فيها الشمس وتنزل الحرارة إلى أربعين تحت الصفر مايذكر بطريق البطريق في بلاد الانتراكتيس.

لماذا تركوا بلادا يرفع فيها الآذان إلى بلاد لايرفع فيها آذان ولايدق فيها ناقوس ويعمل الناس يوم الجمعة.

كان دافع الهجرة في الأغلب إما هربا من براميل بشار الكيماوي أو بطالة قاتلة أو تربة علمية قاحلة. فكان الرحيل إلى أرض تفيض لبنا وعسلا وماكينة عمل محكمة واقتصاد زاهر وجامعات راسخات أشد من الجبال الراسيات. أليس كذلك. قلتها في خطبة الجمعة في سانت هيسانتيه قريبا من مونتريال في كندا (Saint Hysanthe).

إن من يضع قدمه في سلم الهجرة ويصعد إلى سقف العالم يزاح السلم ويحال بينه وبين العودة إلى الوطن المنكوب! لماذا؟

هل يودع بلاد الإنصاف والعدالة والدقة والوضوح إلى بلاد العتمة والفوضى والوسخ والرشوة والمحسوبية؟ لا والله.

مع هذا يبقى السؤال معلقا حول مصير الأولاد والذراري.

يجد المهاجر العمل والرزق والكرامة والمساواة إلى حد كبير، ولكن مصير الأولاد مختلف في ظل ثقافة ماحقة ولسان طاغي وثقافة مهيمنة فلا يرطنون إلا بالفرنساوية لغة لويس الرابع عشر أو لسان ريتشارد قلب الأسد.

ثم بأي دين سيدينون وإلى أي قبلة سوف يتوجهون؟
كندا مثلا بلد يستقبل كل عام 1% من عدد سكانه مايزيد عن 300 ألف مهاجر بعائلاتهم وقضهم وقضيضهم فيطحنهم في أحشائه ويستعملهم (براغي = قطع غيار) في ماكينته العملاقة ويبنى بهم مجتمعه الرغيد كما تفعل معدتنا والأمعاء في غذائنا اليومي الذي نتناول.

هذه هي طبيعة الأشياء فلا نستغرب، الماء يهبط إلى الأسفل. والغمام يعانق السماء. والطيور تبحث عن الحبوب والدفء. وسمك السلمون يغادر نهر فرايزر فيمضي في رحلة 10 آلاف كم إلى المحيط وكذلك طبيعة الهجرات.

حاليا ربما أصبح 10% من سكان مونتريال في كندا من العرب ولربما فاق عدد سكان شمال أفريقيا مائة ألف أو يزيدون.

الكنديون ومن يخطط لهذا البلد من حكماء خلف الستار مثل قطعة المغناطيس تجذب برادة الحديد من العالم بين صيني وصربي، وفيتنامي وطلياني، ولبناني وسوري يدركون ماذا يفعلون. إنهم لايراهنون على الجيل الأول ولا الثاني بل الثالث في مدى ستين عاما ويزيد.

والجواب هذا يخضع لقانون الرفع والخفض كما في القرآن خافضة رافعة.

إن كان المهاجرون على درجة من الوعي بفهم هذا المجتمع الجديد فبنوا لأنفسهم منارات من العلم والهدى، حافظوا على أفضل مافي هذا المجتمع من تعليم وحرية تعبير وإبداع فكري وفني. وإلا ازدردهم المجتمع بفعل ثقافته القوية المتفوقة الكاسحة فتحولوا إلى قطع غيار ونسوا ثقافتهم التي منها جاؤوا وإليها ينتسبون، لربما بقيت أسماؤهم هذا إن بقيت لهم أسماء.

لاتخافوا على ضياع اللسان فهو أمر متوقع ولكن المهم المفاهيم الإيجابية التي يحملها كل دين ومذهب إنساني.

الإسلام غير مرتبط باللسان، والقرآن يقرر هذا من تعدد الألسنة ووحدة المفاهيم فيقول وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه. والمهم في أولادكم حمل القيم الإيجابية من روح العدل وبر الوالدين وصلة الرحم وإقام الصلاة وهي قيم مكررة في كل دين ومذهب إصلاحي أن لايسرق ولا يزني ولايقتل ولايكذب ولايفسق. ويمكن قراءة تعليمات لقمان لابنه في هذا.

أنتم محظوظون أن جئتم إلى هذا البلد الآمن الذي يمشي نحو المستقبل بساقين من العلم والسلم وليس من الرشوة والفساد والمحسوبية.

علموا أولادكم القيم الإيجابية في المجتمع الكندي ودافعوا عنها فهذا ماجاء به الإسلام ودعا له كل الأنبياء والمرسلين والمصلحين.

حين قدمت ببناتي إلى كندا أوصيتهم بثلاث احذروا من الإباحية والعنصرية وروح الاستهلاك وأقم الصلاة لذكري.

قبل عشر سنوات لم أكن أصادف في زيارتي إلى كندا سيدة متحجبة، واليوم أصبحت ظاهرة مألوفة بتدفق المهاجرين واعتناق الكنديين للإسلام. وكما يتميز اليهودي بقبعته والسيخي بعمامته، فإن العائلة المسلمة تعلن عن نفسها عن طريق المرأة التي تلبس غطاء الرأس مع زوجها، الذي لا يختلف في لباسه عن الكندي شيئاً خلافاً للرجل السيخي أو اليهودي الذي يظهر فيه الرجل والمرأة مختلفان عما حولهما.

والمجتمع الكندي تعددي وحر يعلن جميع الناس عن آرائهم، فيسيرون في مظاهرات صاخبة تضم الآلاف. روت لي سيدة مغربية أنها لا تجد المضايقات في لباسها سوى أثناء التقدم لشغل وظيفة.

دعيت إلى مؤتمر في مدينة كيبيك بورقة حول إعادة تصنيع العقل المسلم، وهناك تعرفت على أكثر من سيدة كندية اعتنقت الإسلام، وغيرت في طريقة لباسها، وهو ليس بالأمر السهل، ومنهن سيدة حاربها أبناؤها، ولكنها أصرت على تمسكها بدينها، وقد أعجبت بطرحي وطلبت بحرص وحرارة أن تترجم ورقتي، وتبرعت أخت ثانية بلهفة لترجمة المقالة وتوزيعها على الناطقين بالفرنسية في كيبك، حيث كنت محاصراً ببحر من المتكلمين بالفرنسية، وأنا أتكلم الألمانية والإنجليزية، وليس لي إلمام بالفرنسية ولا أرغب، فقام رهط من الشباب التونسيين بمهمة الترجمة ونقل الأفكار.

ومن أغرب ما اجتمعت بسيدة فرنسية من كيبك اعتنقت الإسلام عن طريق الإنترنت، فلما سألتها كيف حدث هذا؟ قالت من القرآن فقد رأيته يتحدث عن الأرض والماء بنسب ثبتت عن طريق الجغرافيا، وهي حقيقة مذهلة من رجل عاش في مكة، ولم يكن بحاراً ولا عالم جغرافيا، فالقرآن من الله الذي يعلم السر وأخفى.

مع هذا فحين سألتها عن الفصل فزوجها يقفز من غرفتها المغلقة ألى غرفتنا قالت هكذا جاء في الحديث! قلت له ولو أتيتك بأحاديث تسمح بالاختلاط، هل أنت فاعلة، فأبت وأصرت على موقفها! هنا شممت رائحة التعصب، وتركتها لحماسها الجديد.

يقول عالم النفس “هدفيلد” إن أعظم الهزات العاطفية، التي يتعرض لها إنسان حين ينفك من عقدة، قال لي بعضهم إنه في مسجد واحد في مونتريال، كان يعلن ما لا يقل عن ستة أشخاص إسلامهم في الشهر الواحد، ولكن المشكلة هي في تتبعهم وتثقيفهم. ومن الإحصائيات التي ظهرت هذا العام أن عدد المسلمين في كندا تضاعف مرتين.

في الوقت الذي تراجع عدد المسيحيين المواظبين على الكنيسة، فيما حافظ اليهود على عددهم، ولكن رقم المسلمين قفز مرتين عن عدد اليهود. وفي عدد لمجلة “دير شبيجل” الألمانية قالت إن الإسلام أكثر الأديان ديناميكية ويكسب الأتباع دون توقف.

وفي إيطاليا قفز عدد المسلمين خلال عشرين سنة من عشرة آلاف إلى مليون، في الوقت الذي لم يتغير عدد سكان إيطاليا.

وفي أميركا حسب إحصائيات قناة “ديسكفري”، فإن 22 ألفاً يعتنقون الإسلام سنوياً، وفي الواقع ما ينقص المسلمين ليس العدد بل النوعية، فالمسلمون اليوم غثاء كغثاء السيل، ويعجب المرء لقوة الإسلام الذاتية في الانتشار “والله متم نوره ولو كره الكافرون”.

https://anbaaexpress.ma/fg51v

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى