آراءثقافة

الأديب القاص الروائي صديق الحلو.. هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو

بينما صديق الحلو بطبيعته وفطرته عفوي ولا يتعمَّد ولا يتصيَّد الأفكار ولا المشاعر بين جنباته فيمكن أن يكتب أي قصة أو تداعيات في هاتفه المتنقل  تتوشي القطة قصته الأخيرة..

من النماذج الحداثوية كما يريدها الحداثويون اليوم في كتابة الأعمال الفنية الأدبية وبالذَّات كتابة القصة والرواية أو إن شئت الحِكَايات والتي كان رائدها الأستاذ الكبير المغفور له بإذن الله/ صديق الحلو (1954 – 2024) 70 سنة هي التحدث مع الأشياء قبل الأحياء؛ لتوصيل مادة الفكر المُهَذَّبِ في الدجى كما قال بذلك الحكمي:

أحذاكها صنع البيان يمده * جفر إذا نضب الكلام معين
ويسيء بالإحسان ظناً لا * كمن هو بابنه وبشعره مفتون
في أغلب الأعمال التي قدَّمها لقُرَّاء العربية في أصقاع المعمورة / منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعته القصصية: “رهاب الحكايات” صدرت مؤخراً عن دار هيئة الخرطوم للثقافة والنشر ووزارة الثقافة والإعلام والسياحة بولاية الخرطوم 2017 (79 صفحة من القطع المتوسط) وأخريات مثل مجموعاته القصصية الخمس: الفصول غصَّة في الحلق، امرأة من الزمن الماضي، رهاب الحكايات، العالم لا يختفي خلف النافذة.

وأربع روايات هي: دروب وعِرة، أيَّام الشدو الأخيرة، زمن عامر الجعفري، وسام الملِكة، خلاف المقالات والدراسات النقدية الكثيرة على صفحات الصحف السودانية السيَّارة والميديا / مازج الحلو ما بين استنطاق الأشياء وتداعياتها مع صوت ضمير المتكلم أو الراوي العليم ليخرج لناً فنَّاً متكاملاً لتوصيل رسالة القصة أو الرواية من حيثيات طبيعة الأشياء من حوله كاستنطاق المروحة؛ أو أغراض الغرفة مثلاً – ليعود بذهن القارئ إلى تداعيات أو ذكريات قديمة في شكل جديد.

سواء كان هذا التداعي لموقف عاطفي سابق أو مجرد موقف عابر مرَّت به في حياته فاستدعته الذاكرة وربما بعامل النضج الفني والعمر الحياتي ما كان عليه اخراجها بغير الطريقة التي كتبها بها؛ يضع في ذهنه عامل تقدم العمر وعامل اندياح وبحبوحة الفكرة عنده فيراعي بذلك احترام القارئ له في شخصه أغلب الظن لا في النص المكتوب وهذه إشارة بعيدة إذا صدق حدسي فيها؛ وذلك من خلال متابعاتي لما يكتبه من أفكار مرسومة بريشة فنان وضمير إنسان وكمان أديب بلا شك.

بصورة أخرى دعني أقول: رمزية هذه الأشياء من حوله على قلتها أو كثرتها؛ يرمز بها موارِباً باب الحياء في ذاته وإن كانت لبعيدة ولو نسبياً في كتاباته الأدبية يحاكي بشكل أو بآخر الأسلوب الرمزي لأخيه القاص الكبير القدير المرحوم / عيسى الحلو (1944 – 2021) 77 سنة تقريباً؛ في كتاباته وبالتحديد روايته “وردة حمراء من أجل مريم” أو روايته “ريش الببغاء” التي عمودهما الرمزية المحضة لكن، من ناحية شخصية أو ذوقيه فأنا أميل الكتابات صديق الحلو أكثر من كتابات أخيه عيسى الحلو؛ لما للتوازن الكتابي ووحدة الموضوع المباشر والمليء به النص والوصول إلى هدف النص المكتوب مباشرة؛ لكن القاص عيسى الحلو، يتكأ على عصاة الرمزية ويجعلها عموده الكتابي المحض؛ بينما القاص صديق الحلو يمازج أو يوازن ما بين سلاسة النص وعذوبة استخدام المفردة في نص فكرته متكاملة حين لا يعبأ عيسى الحلو بهذا الرسم المنمق؛ ولكلٍ وجهته وبصمته الخاصة في كيفية كتابة النص.

أمر ثالث، هذا إذا أحببت أن تكون هناك مقاربة أو مقارنة بين كتابات الأخوين صديق وعيسى الحلو؛ وهي رسالة النص أو أسلوبه أو عموده من جديد، حين تقرأ بين طيات كتابات عيسى الحلو الفوقية من وجهة نظري والله أعلم  التي لا تلتفت لعقلية القارئ أو محدودية استيعابه لما يكتب؛ المهم عنده هو أن يكتب بالطريقة التي تعجبه أو يراها مناسبة لإحساسه وفكرته هو لا برغبة القارئ أو رجل الشارع العام، أو بمعنى أدق: الإلهام الكتابي اللحظي الجاثم على خياله وشعوره الفارض نفسه آنيَّاً الذي لا يجد منه فكاكاً إلَّا أن يُكتب والذي يُعْمِل عقله فيه فيحيله إلى نص.

بينما صديق الحلو بطبيعته وفطرته عفوي ولا يتعمَّد ولا يتصيَّد الأفكار ولا المشاعر بين جنباته فيمكن أن يكتب أي قصة أو تداعيات في هاتفه المتنقل  تتوشي القطة، قصته الأخيرة؛ وهي آخر ما كتب فيما نما إلى عملي وبعثها إليَّ قبل أسبوع من وفاته، رحمه الله، نموذجاً دون أي تكلُّف أو صناعة أو مُغَايرة، ثم استبعد ولو قليلاً أنه يتعهد كتاباته بالمراجعة اللغوية أو النحوية أو الإملائية؛ط.

هذا حين يرسلها لأصدقائه طرِبَاً بها فخوراً حواليها، أنا لاحظت ذلك في أكثر من نص يرسله لي، لعله يعتبر ذلك من اختصاص غيره من اللغويين أو دُور النشر وهلم جرا، بينما ينحصر دوره هو في كتابة النص المسترسل العفوي السلس فقط.

كذلك، يمكنك أن تجد تعقيدات أو صراع أفكار وكلمات في كتابات عيسى الحلو، على عكس أخيه صديق الحلو؛ فأنت لا تجد هذه التعقيدات الكتابية عنده وهذا من أهم الفروقات بين تناول السرد بالأسلوب الرمزي.

بمعنى آخر، صديق الحلو عندما يكتب يجعل أو يخلق من تداعيات ومخزون الذاكرة داخله وبين الأشياء من حوله حواراً قصصياً جيداً، بينما عيسى الحلو يعمد إلى الرمزية المحضة في مزج الفكرة أو الخاطرة باستنطاق الأشياء من حوله في أسلوب بعيد عن إعجابي الشخصي به ولا يقدح ذلك في النص لكن هي وجه نظر لا أكثر ولا أقل.

هل نظر الأستاذ صديق الحلو؛ لأخيه الأكبر عيسى الحلو؛ في جملة كتاباته وأخذ منها أم لا ؟ هذا سؤال خطر في بالي مراراً وتكراراً والإجابة عليه أغلب الظن هي: نعم!

نظر لأخيه عن كثب وأثر ذلك في النصوص عندهما وافراً لم يُكْلَمِ ويمكنكم مراجعته في منتوجهما الأدبي، وهذه النظرات لم تكن نتاج جينات وراثية إن صدق حدسي؛ بل هي أسبقية تاريخية فلسفية قديمة متجددة عند عيسى الحلو الذي هو أكبر من شقيقه صديق بعشر أو تسع سنوات تقريباً وأفاد منها شقيقه صديق بلا ريب.

بمعنى: النظر لعيسى من جانب صديق؛ نتج عن خبرة عيسى في كتابة النص القصصي أو الروائي الذي تربع على عرش الرواية والقصة السودانية السودانوية؛ إن شئت  لأكثر من خمسين سنة، وبطبيعة الحال كان الأخذ في الأسلوب بعامة شاهداً على النصوص هنا وهناك لكن لكلٍ بصمته الخاصة وأسلوبه في السرد والحكَايا بحيث خلق كليهما جمهوراً من المعجبين والقُرَّاء على امتداد اللسان العربي والأعجمي العالميين؛ وخلدت آثارهما بينهم خلود النجم والصخر الصلاد.

هناك أمر يهمني تسجيله والتوثيق له ههنا قبل أن أبرح كلمتي هذه في رثاءه ؛ وهو ما يُعرف عند النقاد الأقدمين بالنَّفَس؛ كما عُرِفَتْ عندهم أيضاً بالسرقات الشعرية وهي عملية النظر والتأثر بالغير لما ينتجه من نص شعري أو نثري شفاهي مسموع أو مكتوب أو مُشاهد؛ وهي ذاتها ما تعرف بـــ “الاقتباس” عند اللغويين أو النحويين في علم البلاغة والكلام ؛ ففي النثر منذ قديم الزمان والمكان وحتى يومنا هذا يُتداول مصطلح النَّفَس بين الكُتَّاب.

فالنَّفَسُ عند القاص عيسى الحلو؛ طويل ومتنوع وجيد السبك والحبك بلا ريب، بيننا النَّفَسُ عند صديق الحلو؛ قصير ومتنوع وجيد الصياغة والسياقة بلا شك، لذلك تجد الإنتاج الفني للأخير في عُدَّة مجموعات قصصية

بينما عند الأول في عُدَّة مجموعات روائية؛ ثم لك أن ترى انعكاس النَّفَسُ الكتابي في الكلام العادي أو الحوار بينهما والآخرين، فتجد عيسى الحلو يُكْثِرُ الحديث ويفيض فيه مع محاوره أو محادثه، والعكس تماماً عند صديق الحلو، فهو قليل الكلام هادئ الطبع رصينه مع صاحبه أو محاوره أيَّاً كان هذا الشخص في أي محفل كان، انظر لرسائله المتواضعة ومجاملاته مع الآخرين على صفحات الفيس بوك والماسنجر والواتس وخلافه؛ كذلك لأخيه في بعض ما تكلم أو روى.

هذا! زارنا المرحوم الأستاذ الكبير القاص المبدع صديق محمد أحمد الحلو، في القاهرة قبل عدة سنوات عند ندوة أقيمت على شرف الأستاذ الشاعر الجميل محمد نجيب محمد علي، بدار السودان بشارع شريف وسط البلد سنة 2020، والتي نال فها شهادة تقديرية من احدى الجمعيات السودانية بمصر تكريما لدوره غي كتابة القصة والرواية، والتي شرَّفها الأستاذ الشاعر الأديب / عبد المنعم الكتيابي ولفيف من طاقم السفارة السودانية بمصر ومعجبيه وقُرَّاءه.

وأهداني نسخة من كتابه أو مجموعته القصصية رهاب الحكايات، ما تبقى من سيرة عبد الباقي المنسية وقصص أخرى  ومهرها بتوقيعه الأنيق: ( إهداء؛ الأستاذ / بدر الدين العتَّاق؛ صداقة الحرف والفكر؛ صديق الحلو – 3 / 11 / 2020 ) فأنا بها سعيد للغاية أبد الدهر بلا شك.

أذكر أنه راسلني على الواتس لأُقَدِّمَ لعدد من الشباب الكُتَّاب الناشئين وغير الناشئين وأُبْدِى الرأي فيما كتبوا فقلت له : ( ياأستاذنا الشباب ديل ما بقدر اجاملهم ) فقال لي: ( عشان كده رسلتهم ليك وأخذ يضحك).
صديق الحلو، ها
وإن أمحل القوم الجياع من الثرى * هطلت بلا رعد وزرت بلا صخب
صديق الحلو، ها
غرَّار العبوس دار النفار ونقاص
دوووبا، حليل أبوي ال للعلوم درَّاس
تبكيك الجوامع الانبنت ضانقيل
لقراية العلم وكلمة التهليل
دوووبا حليل أخوي ال للعلوم درَّاس
يوم الخميس جانا الخبر وانشاع
في الأربع قِبَلْ وانذاع
دوووبا حليل أبوي ال للعلوم درَّاس

في رثاء الأديب النحرير القاص المبدع الإنسان الخلوق الشخص الطيب الحلو الحبيب الجميل حفيد خليفة الإمام المهدي الثاني الخليفة علي ود حلو صاحب الراية الخضراء الأستاذ القدير / صديق محمد أحمد الحلو ، المتوفي بولاية النيل الأبيض مسقط رأسه يوم: 12 / 4 / 2024 بمستشفى اليمامة بكوستي، وفي رحيل القوافي والمجالس والمنتديات والأمسيات والكتابات المترفة بعبق الكلمة وصدق المشاعر.

وفي هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو، كتبتُ هذه المرثية التي لن تكتمل في حق شخصه الخلوق الإنسان القامة، لرثاء صداقة الحرف والفكر التي أهدانيها وإن كانت أقل من مقام الرجل والحرف والكبرياء فهي إشارة إلى أحد رموز بلادي السودان وليتها تفلح في صفته ونعته ولو قليلاً رحمه الله رحمة واسعة.

هجرة عصافير الخريف
فى موسم الشوق الحلو
هيج رحيلا مع الغروب
احساس غلبني اتحملو
وكتمت اشواق الحنين
داير الدموع يتقلو
ورجعت خليت الدموع
ينسابو مني وينزلوا
ليه يا عصافير الخريف
خضرة مشاعرى اشيلا صيف
رحمك الله رحمة واسعة أيها الإنسان العزيز

السيرة الذاتية
صديق محمد أحمد الحلو الخليفة.
مواليد 1954 م.
كوستي وسط السودان
درس الشريعة والقانون بجامعة الإمام المهدي
دورات في الصحافة والإعلام بكلية الدراسات الإعلامية
عضو مؤسس نادي القصة السوداني 2000م
عصو مؤسس رابطة الأصدقاء الأدبية بكوستي.
عضو اتحاد الكُتَّاب السودانيين
عضو جمعية الروائيين السودانيين
عضو هيئة تحرير مجلة المرفأ الثقافية الإلكترونية
عضو نادي القصة السعودي
عضو اللجنة الثقافية لمعهد جوته الألماني بالخرطوم 2000. 2005
مؤسس لصحيفة أمدر زمان وصوت الأمة الإلكترونية.
المشرف على الملف الثقافي لجريدة أخبار اليوم السودانية
مقدم برنامج إذاعية بإذاعة الصحة والحياة باسم”تجربتي الإبداعية”

الإصدارات 

الفصول مجموعة قصص قصيرة 24 قصة 1985
غصة في الحلق مجموعة قصص قصيرة 34 قصة 2000
كتاب امرأة من الزمن الماضي 50 قصة قصيرة 2005
رهاب الحكايات مجموعة قصص 15 قصة.

ترجمت بعض قصصي للإنجليزية والفرنسية ، كما أنني شاركت في توقيع مجموعتي القصصية “رهاب الحكايات” وروايتي “حروبات كبيرة” في معرض الكتاب بالشارقة بمناسبة توقيع مليون كتاب كرقم قياسي عالمي استضافة الشارقة عاصمة للثقافة العالمية.

تقديم أوراق نقدية بمركز عبدالكريم ميرغني بأم درمان “سيرة الوعي المعاش عن المختلف عيسى الحلو” الاديبات السودانيات “ملكة الشمس والجان” ورواية سيف الدين حسن بابكر، وعُدَّة محاضرات عن الرواية والقصة القصيرة بالمجلس القومي لرعاية الآداب والفنون ووزارة الثقافة الاتحادية.

قالوا عنه:

شهد لك من كان معك في السيارة وأنت في طريقك للمستشفى أنك نطقت الشهادة ثلاث مرَّات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة” هذه البشارة الأولى، وشهد من رءاك بعد الغسيل والكفن أنَّ وجهك كان يشع نوراً، وهذه الشهادة الثانية ، وأنا أشهد أنَّك رجل ذو خلق رفيع وذوق عال لا تحمل حقداً في دواخلك وشهد أبناء علي الرفاعي هنا في جدة أنك نعم الصديق، فنم منعَّمَاً بنعيم السعداء وغفر الله لك أخي إذ كنت رجلاً تحمل عقلاً رصيناً وفهماً متزناً ولا نزكي على الله أحد أخوك/ يعقوب إبراهيم الحلو.

https://anbaaexpress.ma/r6glz

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى