آراءثقافة

إحك يا شكيب.. الكاتب الروائي المزيف

في تلك اللحظات دخل في بكاء وضحك هستيري فقد معهما عقله فأصبح مدمن خمر و كلما إلتقى بشخص من المارة يحكي له الحكاية إلى وجد يوما أشلاء على سكة قطار

شاب أوروبي في مقتبل العمر لم يتجاوز عمره الثلاثين متزوج من شابة في مثل سنه، يقطنان في حي شعبي به فقراء، يمتهن الكتابة له روايتان فاقترحت عليه زوجته عرضهما على ناشر معروف، فبعد اطلاعه عليهما لم يقتنع بمحتواهما فاعتذر له بأدب، و لما عاد للبيت سألته زوجته:

ماذا كان جواب الناشر ؟ فأجابها بأنه رفض الطلب لأن الروايتين ينقصهما الكثير و ليست من المحتويات التي يطلبها القارئ، فبقي مكتئباً لا يبرح بيته و يفكر فيما يمكنه فعله لأداء واجب الكراء و الإنفاق على زوجته، و لكن زوجته لم تيأس و كانت تطلب منه إعادة المحاولة مع ناشرين آخرين و البحث عن عمل مؤقت فتفرج مع الأيام، و لكن خيبته إستمرّت لشهور، و ذات يوم خرجت زوجته لسوق أسبوعي لشراء بعض ما يلزمها للبيت فسقطت عيناها على محفظة جلدية لونها أسود و لكن يبدو أنها كانت في غرفة مهملة فتغير لونها و أصابتها ندوب و خربشات أفقدتها لمعانها.

و رغم ذلك إشترتها لأن زوجها كان يحمل روايتيه في ملف عادي ، و لما عاد زوجها للبيت، في المساء استقبلته بابتسامتها المعهودة و إحتضنته كما تفعل كلما عاد للبيت، و تحدثا طويلا عن مشواره طيلة اليوم فكان جوابه كالمعتاد لازال الحال كما كان من قبل، و لإدخال الفرحة عليه و تخفيفا من آلامه و خيبته التي لم تزل، أخبرته بهدية عبارة عن محفظة جلدية جلبتها له ففرح بها رغم أنها ليست جديدة.

فقبل أن يخلد للنوم عاد ليتصفح روايتيه يقلب أوراقهما لعله يعدل ما ينبغي تعديله، و لما شعر بالعياء أخذ المحفظة ليضعهما بداخلها فلفت انتباهه وجود ملف فيه أوراقا ففتحه فإذا به يجد رواية عبارة عن سيرة ذاتية، فعوض أن يلتحق بغرفة نومه بقي ساهرا إلى غاية أن أتم قراءتها مع بداية النهار الموالي، و في الصباح خرج كعادته حاملا معه محفظته و ذهب إلى حديقة و جلس فوق كرسي و أعاد إخراج الرواية و بدأ يتصفحها من جديد و يفكر ما عساه أن يفعل ؟ و إهتدى لفكرة و هي أن ينسبها لنفسه.

و لكن هذا يتطلب منه أن يأخذ وقتا ليوهم زوجته بأنه هو من كتبها، و بالفعل بدأ في تنفيذ خطته، فأول ما فعل هو أنه أخبر زوجته بمشروعه الجديد، ففرحت و رحبت بالفكرة و عملت كل ما في وسعها لتهيئ له ظروف الاشتغال، فكانت تعد له الطعام و القهوة و تتركه في غرفته أمام آلته للكتابة فكانت تسمع طقطقاتها و هي فرحة ومبتهجة بالإلهام الذي حل عليه.

و بعد أيام أخبرها بأنه أنهى كتابة روايته، فعرضها عليها و لما أتمت قراءتها شجعته للذهاب في اليوم الموالي باكرا ليعرضها على الناشر، و في الصباح و بعد تناول وجبة فطوره الذي أعدته له ودعته داعية له بالتوفيق، و ظنها هذه المرة فيه لن يخيب، و لما التقى بالناشر سلم له الرواية فطلب منه الناشر الحضور بعد أسبوع.

و لكن الناشر لم ينتظر كل ذلك الوقت بل اتصل به بعد يوم و أخبره بأن يحضر لمكتبه على وجه السرعة، فاستقبله إستقبالا غير معهود مرحبا به و أثنى عليه و على المجهود الجبار الذي بذله و على الأسلوب الرائع و الحبكة العالية التي كتب بها روايته و وقعا معا عقدة بموجبها حددا المبلغ الذي سيحصل عليه و طريقة التوزيع، و عقد ندوة بخصوص الرواية في أفخم قاعة للعروض بحضور شخصيات نافذة و أدباء و مفكرين و طلبة.

ففرحت زوجته بهذا النجاح و حضرت معه لحفل التوقيع على الرواية و التي واكبها الإعلام المرئي و المسموع و المكتوب، فأصبح حديث الناس هو روايته المؤثرة، بل إن الناشر طلب منه روايتيه قصد نشرهما و لم يعترض على مضمونهما كما فعل من قبل، فاستغرب الكاتب و كتم كل ذلك في نفسه و لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، و هو أن الكاتب الحقيقي وقعت بين يديه مجلة تحكي عن الرواية التي كتبها من قبل و التي ضاعت منه في ظروف غامضة و عليها صورة للكاتب المزيف، فقرر الذهاب لملاقاته عندما علم أنه سيكون ضيفا على برنامج ليحكي عن مضمون الرواية.

فلما انتهى من البرنامج و هو يمشي أثار انتباهه رجل مسن يتبعه اينما حل فخاطبه يا سيدي هل من خدمة أقدمها لك ؟ فقال له الرجل العجوز فلنجلس معا في مقهى قريب لدي مجموعة من الأسئلة أود طرحها عليك فوافق الكاتب المزيف، فبدأ الرجل العجوز في طرح أسئلة بليدة على الكاتب و لكنه وقف عند أسئلة دقيقة عندما سأله عن سنه فأخبره بأن سنه ثلاثون عاما، هنا بادره بما لم يكن يتوقع كيف تحدثت في سيرتك عن حدث و أخبره به و سنك لم يتجاوز العامين، هنا صدم الكاتب المزيف و أصابه خرس.

و لم يمهله العجوز ليحدثه عن تفاصيل الحكاية و عن ضياعها لما حملتها زوجته معها في القطار و تركتها فوق رف من رفوف مقصورة، فسأله الكاتب المزيف، فما العمل الآن يا سيدي؟ فأجابه الرجل العجوز : ما وقع وقع و كنت نذلا بفعلتك و الآن أتركك لأنك إنسان سارق عديم الأخلاق فاقد للمروءة و كاتب مزيف و منتحل لصفة، فأعاد الطلب يا سيدي: إن طلبت أن أصحح الخطأ فعلت، و أعتذر أمام الملأ بأنني أخطأت في حقك، و إن طلبت عائدات الرواية من مال أعطيتك ؟ و لكن الرجل العجوز لم يمهله فانصرف إلى حال سبيله تاركا إياه في حيرته و تعذيب ضمير.

هنا صاحبنا بقي صامتا واضعا رأسه بين يديه متسائلا مع نفسه ما العمل ؟ فلم يعد مباشرة إلى بيته بل التحق بحانة و شرب حتى الثمالة، و عاد إلى بيته يتمايل ذات اليمين و ذات الشمال، فاستقبلته زوجته و هي مندهشة من الحالة التي هو عليها، فسألته عن السبب ؟ فأجابها بلسان متلعثم بأنه كان كاذبا، و أنه كان سارقا لعمل أدبي ليس له، فصدمت هي الأخرى من فعلته، و تركته لينام، مخبرة إياه بما يجب أن يفعله صباحا، و لكنه رغم أنه كان في حالة سكر، و هو نائم كان عقله منشغل و ضميره يؤنبه، و في الصباح ذهب عند الناشر ليخبره بالخبر الصاعقة كما أشارت عليه زوجته.

فصدم الناشر بما سمع فاحتار هو الآخر في الأمر، و طلب من الكاتب المزيف أن يختفي هو و زوجته و أن يذهبا إلى بلد لا يعرفهما فيه أحد، و قبل بالفكرة، و لما عاد لبيته لم يجد زوجته بل وجد ورقة عبارة عن رسالة مفادها أنها هاجرت إلى بلد يستحيل أن يعثر عليها بسبب فعلته الشنعاء و خيانته النكراء، في تلك اللحظات دخل في بكاء وضحك هستيري فقد معهما عقله فأصبح مدمن خمر ، و كلما إلتقى بشخص من المارة يحكي له الحكاية إلى وجد يوما أشلاء على سكة قطار.

https://anbaaexpress.ma/1t047

شكيب مصبير

كاتب وفنان تشكيلي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى