آراءثقافة

أهم قانون في علاقات القوة في الاجتماع الإنساني

لاتلمع أكثر من سيدك

وردت قصة مثيرة في كتاب القوة لروبرت غرين تحكي القانون الأول من شطرنج القوة حيث ذكر الكاتب 48 قاعدة ويومها عثرت على المقالة والكتاب كعادتي في مجلة در شبيجل الألمانية (Der Spiegel) وسيكون من الجميل لو عملنا 48 مقالة من هذا الكتاب.

لنستمع إلى القاعدة الأولى التي تحذر من الالتماع فوق العادة خاصة مع من هم فوقك؟ بل يذهب إلى نصيحة عجيبة تذكر بما أوردها أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، أي ممارسة بعض الأخطاء البسيطة دفعا للحسد؛ فلا غرابة أن يقول القرآن ومن شر حاسد إذا حسد؟

كان (نيكولاوس فوكييه) وزيرا للمالية في عهد الملك (لويس الرابع عشر) وإشتهر بحبه للشعر والحسناوات ولكنه أحب المال حبا جما فعاش حياة باذخة والتمع نجمه في الصالونات الباريسية وعندما مات رئيس الوزراء (جول مازاران) عام 1661 م طمح أن يقفز إلى المنصب الفارغ وإنتهز هذه الفرصة كي يدخل إلى روع الملك، أنه خير من يقود البلاد فدعا سيده إلى حفلة تدشين قصره الجديد (فو ـ لي فيكومت VAUX – LE-VICOMTE).

وفي تلك الأمسية إحتشد في حفلة الافتتاح نجوم المجتمع الباريسي مثل (لا فونتين) و (لا روشي فوكو) و (مدام دي سيفني) وأعد الشاعر (مولييه) قصيدة رائعة في مدح (ملك الشمس) الشاب، وأكل القوم على أنغام الموسيقى من ألوان الطعام الشهي ما عرفوه وجهلوه مما لم يذقه أحد من قبل في فرنسا على يد طهاة إستقدموا خصيصاَ من الشرق وعلى سبع طبقات من ألوان الطعام المتتابع.

وفي المساء أخذ الوزير مليكه ليمتعه بعجائب القصر وحدائقه الغناء وختمت الحفلة بالألعاب النارية ثم قام الشاعر (مولييه) فألقى قصيدته في مدح الملك، وإستمرت الحفلة إلى ساعة متأخرة من الليل وودع الملك وزيره وفي يده باقة من ورد فواح من كل صنف زوجان.

ونام الوزير فوكييه على أحلام وردية أن المنصب أصبح قاب قوسين أو أدنى، ولكنه في الصباح فوجيء باقتحام قصره من كوكبة من الجند الملكي لإلقاء القبض عليه فصاح بهم: يا قوم لعل هناك خطأ ما، أجابه رئيس الحرس الملكي الخاص (دي آرتينيان): معنا أمر من الملك بإلقاء القبض عليك. قال الوزير بذعر: يا شباب هذا غير معقول فالملك كان هذه الليلة عندي في حفلة إفتتاح القصر حتى الفجر. قالوا له: معنا أمر خاص موقع بيد الملك لاعتقالك.

بقي الوزير المنكوب ثلاثة أشهر رهن التحقيق ثم أدين باختلاسات كبيرة من خزينة الدولة ثم أودع سجنا إفرادياً في جبال (البيرنيه) يقضي بها بقية أيام حياته ولم ينم في قصره الجميل إلا ليلة واحدة، بعدها بنى الملك لويس الرابع عشر قصر (فرساي) على نفس نمط قصر (فوكييه) بهندسته وديكوره وكان يحتفل به الليالي ذوات العدد في حفلات أشد بذخا من (فوكييه) حتى مطلع الفجر بدون خوف أن يعتقله أحد في ضحى اليوم التالي.

إذا كان وزير الماليه قد نام تلك الليلة المشؤومة فإن الملك لويس لم تذق عيناه طعم الكرى، وليس هناك أخطر من التماع وزير بأشد من الملك، لقد شعر الملك الفرنسي في تلك الليلة أن وزيره خطف الأنظار ودفعه إلى الظل.

وعندما إعتقله لم يقل مطلقاً أنه حسده، إنه بشكل أو آخر مصير كل إولئك الذين لا يحسنون التصرف مع من هم فوقهم في التراتبية الاجتماعية فيجعلونهم يخافونهم أو يدخلون الخلل إلى تقديرهم لأنفسهم أو يحدثون ضربا من الانهيار في خيلائهم، وإدخال الشك في تفردهم، وصاحبنا الوزير ظن أنه يحسن صنعا عندما دعا الملك إلى حفلة لمع فيها أكثر من اللازم بحيث تحولت كل نظرة إعجاب له أو كلمة إطراء عليه ضده.

إن الحسد خطير ويولد عداوات. ولقد أدرك الوزير اللاحق (جان بابتيست كولبير) هذه الحكمة البالغة في عصر يقول فيه الملك: (أنا الدولة) أن المال سيصب في النهاية إلى جيب الملك مدرارا فلم يحاول أن يبتني لنفسه القصور لينتهي في القبور، وعلق (فولتير) على حادثة إنهيار وزير المالية (فوكييه) بقوله: (عندما بدأ المساء كان فوكييه الأعظم ولكنه عندما إنتهى سقط إلى الأرض حطاماً).

https://anbaaexpress.ma/emva8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى