آراءسياسة

الإخوان والبعث وجهان لعملة واحدة

ما زلت أتذكر من الأيام الخوالي وكان ذلك في ديسمبر من عام 2004م حين أطلق الإخوان السوريون بادرة جديدة لمصالحة وطنية مع البعث، ومن قبل تم إطلاق بادرة (ميثاق الشرف) حيث وقعته تيارات منوعة من المعارضة وهي تعرف أنه لا يساوي الحبر الذي كتب فيه، فالكل يكذب، والكل ينوي الغدر لو وجد سبيلا.

والمسألة لا تدور حول النوايا والأشخاص بقدر قوانين التاريخ وعلم الاجتماع فما يحكم السياسة ليس (الشرف) بل (توازن القوة) في الوقت الراهن، حتى يتبدل العالم خلقاً آخر، والبعثيون والإخوان يعرفون هذا ويمارسونه ولا أدري إن كانت الأيام أعطتهم الحكمة في فهم هذا القانون النفسي الاجتماعي؟، والمسألة مسألة وقت والكل يؤمن أن من ملك السلاح ملك الرقاب.

وهي تذكرني بقصة محمد علي باشا مع شريف مكة (غالب) فقد أورد عالم الاجتماع العراقي (الوردي) في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) أن الباشا وجه حملة بقيادة ابنه (طوسون) عام 1811 م للقضاء على الوهابيين، وكان ذلك بالتفاهم مع السلطان العثماني (محمود الثاني)، وبعد أن نجح محمد علي في احتلال الحجاز جاء بنفسه إلى مكة، وهناك اجتمع مع الشريف (غالب) فتعاهد الرجلان “في جوف الكعبة على الوفاء وعدم الخيانة” وبذلك عقدوا (ميثاق شرف) كما هو الحال في ميثاق باريس الذي أطلقته يوما ما المعارضة السورية، ولم يطل الأمر بضعة أشهر فالباب العالي كان غاضبا على شريف مكة وأرسل إيعازاً “باعتقال الشريف وإرساله إلى استنبول” وهنا وقع الثعلب (محمد علي باشا) في الحرج فكيف يعتقله وقد تعاهد وتواثق معه على الأمانة وعدم الغدر.

ولم يطل الأمر كثيرا فالفتوى كانت جاهزة، ولذا فقد وجد “محمد علي أخيرا حيلة شرعية تمكنه من تنفيذ الأمر حيث كلَّف ابنه طوسون باشا به، ولم يقم هو بنفسه تخلصاً من نكث العهد بزعمه. وقد قام طوسون باشا بالأمر فأمر باعتقال الشريف غالب بعد تقبيل يده!!” بعدها أرسل الشريف مكبلا مع أولاده وعبيده “وأخرج حرمه وجواريه من الدار بعد تفتيشهن تفتيشا فاحشاً”.

وهذه القصة تحكي قصة الإخوان والبعث بعد مرور قرنين باعتبار أن الجميع يسبح في نفس الماء الآسن من العين الحمئة. وذرية بعضها من بعض. ومع انفجار الربيع العربي زادت الأوحال طينا وقذارة بعد أن تدلى حبل مشنقة البراميلي في سوريا فهرع إلى الفرس والقوزاق فسلمهم مقاليد البلد متبعا نصيحة الأعرابي : ياحبذا الإمارة ولو على الحجارة!!

وقصة (صدام) مع (شاه) إيران في الجزائر معروفة فقد اجتمعا في عام 1975 من أجل مسألة شط العرب، فتعاهدا وتواثقا على احترام الجوار، ووضعا (ميثاق الشرف) بعدم الخيانة، والذي تبين أن ميثاق الشرف كان بلا شرف، فقد هجم صدام على إيران بـ 11 فرقة عسكرية من أصل 12 يملكها بعد أن زين له رجال السافاك وجنرالات الشاه الهاربين بعد اندلاع الثورة في إيران وبداية تفكك نظام الشاه أن المسألة سوف تحسم في أسابيع قليلة، ويروى عن الضباط العراقيين الذين اجتاحوا إيران مثل قولهم: إن ما فعلناه في خوزستان شيء نخجل منه.

كذلك توقع القائد العسكري البريطاني (كتشنر) نهاية الحرب العالمية الأولى في أربعة أسابيع، فامتدت إلى أربع سنوات، ثم سميت لاحقا الحرب الكونية الكبرى، كذلك الحال مع صدام المصدوم؛ فقد امتدت إلى ثماني سنوات عجاف يأكلن ما قدمت لهن.

ولم يعقب العجاف إلا عجافا حتى اليوم، وهذه القصص المسلية تقول: إن القواعد توضع من أجل خرق القواعد. ولا يختلف مجلس الشورى الإخواني بكثير عن القيادة القطرية في حزب البعث. والحزبي أعمى مهمته الأساسية التبرير والترويج والدفاع لما يقوله الحزب والقيادة من أي حزب. من الذين فرقوا دينهم شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.

وأذكر من ألمانيا حينما جرى الاقتراع لتشكيل مجلس إدارة مسجد ميونيخ كيف جرت الانتخابات عندما اكتشف البعض ممن بقي في قلوبهم شيئا من التقوى فبكى أحدهم وقال لماذا اختلفنا مع البعثيين لقد تصرفنا أسوأ منهم. وأمام هذه الذاهرة المرضية وقف مقدم برامج قناة المستقلة الهاشمي التونسي في ذهول وهو يسأل العديد من الفرقاء المتشاكسين ما هو الحل؟ والكل يعرف أن الغدر سيد الأحكام، وأن لا أحد يثق بأحد، وأن من يستطيع التغيير أمريكا لو أرادت، وأن من يزيح الآخرين بالقوة ويجلس محلهم يعيد الكرة على شكل ألعن.

ومعنى هذا أننا أمة فقدت قدرة تقرير المصير، وأن العصا الأمريكية هي التي تحكم بين العباد والرفاق والأخوان.

وفي يوم صرح (طلاس) من سوريا و(عزيز) من العراق أنهم ثوريون وصلوا إلى الحكم بقوة السلاح فمن يريد أن يجرب حظه فلينزل بالبارودة إلى الشارع فهي فصل الخطاب. فأما طلاس فقد دفن في باريس مثل الطلاسم وأما العزيز فمات بدون عزة وشقاق.

وقصة الإخوان مع النظام السوري تشبه قصة جحا مع بنت الملك فقد تحدث لمن حوله أنه خطب بنت الملك فهنأه الجميع على النجاح قال: لقد حققت كل الشروط إلا شرطا واحداً. قالوا: وما هو يا جحا؟ قال: أن ترضى بنت الملك بي، والإخوان حققوا كل شروط المصالحة وبقي أن يرضى حزب البعث بمشاركتهم في السلطة؟ واليوم بعد كارثة الربيع العربي الكل يقلب كفيه على ما أنفق فيها بعد أن لم يبق بعث واخوان. وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد.

https://anbaaexpress.ma/pp50b

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى