دوليسياسة

ملح على جروح كييف.. لماذا أصبحت “فاغنر” رأس حربة القوات الروسية في أوكرانيا؟

عادت الأضواء لتسلط مجددا على دور مجموعة فاغنر الروسية في الحرب الدائرة في أوكرانيا، على ضوء مشاركتها البارزة في المعارك الطاحنة التي تخللت عملية السيطرة على مدينة سوليدار الإستراتيجية.

ووصفت وسائل إعلامية روسية، وحتى غربية، الاستيلاء على سوليدار بأنه “ملح على جروح أوكرانيا”، وفرصة للقوات الروسية للتقدم نحو باخموت والاقتراب أكثر من كراماتورسك وسلافيانسك.

لكن التركيز الإعلامي وقراءات المراقبين لتطورات المعارك في أوكرانيا كان هذه المرة منصبا بشكل خاص على بروز فاغنر، بوصفها وحدة قتالية أساسية في المعارك في أوكرانيا إلى جانب القوات النظامية والوحدات العسكرية من دونيتسك ولوغانسك.

مرحلة “الاختبار” السورية

ويصف خبير الشؤون العسكرية فيكتور ليتوفكين مشاركة مجموعة فاغنر في الحرب في سوريا (حيث كانت تحمل اسمًا مختلفًا في العملية العسكرية الروسية هناك) بأنها كانت بمثابة “مرحلة اختبار” من وزارة الدفاع، اجتازتها المجموعة بنجاح، وأهّلتها لتتحول إلى رأس حربة للقوات الروسية في الحرب في أوكرانيا، حسب تعبيره.

وتوقع ليتوفكين، أن تتصدر فاغنر المشهد الميداني في المعارك اللاحقة، لما أظهرته من حرفية وانضباط عالي المستوى، مما يخولها لتتسلم مهام قتالية أكثر دقة وتعقيدا.فالسيطرة على سوليدار، حسب رأيه، تمنح الجيش الروسي مجالا أوسع للمناورة في معركة باخموت، وترفع من قدرة القوات الروسية على الدخول في مواجهات لاستنزاف واستنفاد القوات الأوكرانية، وهو ما يمكن أن يكون جولة جديدة لاختبار أداء فاغنر.

وينطلق ليتوفكين من أنه في حال تم إحكام السيطرة على باخموت، فستكون القيادة الأوكرانية مجبرة حينئذ على استدعاء المزيد من قوات الاحتياط إلى هذا المحور، وهو استحقاق مواجهة يتطلب قتالا من نوع خاص أصبحت فاغنر الآن مؤهلة للقيام به، حسب رأيه.

بدوره، يقول الخبير العسكري سيرغي بروستاكوف إن الحديث عن تنامي دور فاغنر يرتبط بطبيعة التدريبات الخاصة التي مرت بها، والتي تتضمن التعامل مع الأساليب المختلفة لقتال “المرتزقة” الأجانب، الذين يملكون خبرات قتالية خاصة، تلقوها  خلال خدمتهم في مناطق “ساخنة” مختلفة حول العالم.

وينفي، في المقابل، ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس بأن فاغنر ستتحول إلى بديل عن القوات الروسية في أوكرانيا، وأن التركيز عليها يعكس حالتي يأس واستياء غير معلن عنهما داخل صفوف الجيش.

ويوضح في هذا السياق أن “التكتيكات الناجحة لفاغنر في الصراع الدائر في أوكرانيا دفعت الولايات المتحدة للاقتناع أخيرا بأن المجموعة باتت تشكل تهديدا لها”.

على حافة حرب استنزاف

ويضيف بروستاكوف أن فاغنر وحدة قتال تكتيكي محترفة، لكنها ليست مخصصة للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق بشكل مستقل، كما هي الحال في العملية الروسية في أوكرانيا، وعلى هذا الأساس، سيكون دورها في كل الأحوال موضعيا، ومن خلال تنسيق دقيق ومتكامل مع الجيش الروسي، مضيفا أن الصراع المسلح في الأشهر المقبلة لن يعتمد كثيرا على الأحوال الجوية، ولكن على مدى قدرة الأطراف المتحاربة على استنزاف احتياطاتها ومواردها.

فعالية محدودة

من ناحيته، يرى شاشانك جوشي، محرر الشؤون العسكرية في مجلة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية، أن قرار روسيا للجوء لمرتزقة فاغنر “يظهر الوهن الذي أصاب الجيش الروسي، إذ تم الاعتماد تقريبا على جل إمكانيات الجيش الروسي، وهناك كثير من الجرحى والقتلى والتعب بعد اقتراب الحرب من دخول عامها الثاني”.

وأكد الخبير العسكري البريطاني أن روسيا قررت إضافة مجموعة فاغنر لعدد من المرتزقة الموجودين أصلا في أوكرانيا “لكون مجموعة فاغنر هم الأكثر فعالية، وبالفعل حققوا بعض التقدم في ساحة القتال، ولهم إمكانات عسكرية كبيرة، وقدرة على خوض المعارك حتى في الليل، وهو ما لم يكن ممكنا للجيش الروسي”.

ورغم التقدم الذي حققته فاغنر، فإن شاشانك يرى أنه “تقدم تكتيكي ومؤقت، ولا يمكن أن يستمر لمدة طويلة، كما أنها ليست انتصارات حاسمة تجعل من روسيا قادرة على حسم المعركة”.

في المقابل، قلل المتحدث ذاته من قدرة الدبابات التي تخطط بريطانيا وبولندا لتسليمها للجيش الأوكراني على قلب موازين القوى، “فهذا القرار لن يغير كثيرا، أولا لأن الأعداد التي يتم الحديث عنها هي أعداد قليلة، وثانيا لعدم قدرة الجيش الأوكراني على استعمال هذه الدبابات، لكنها تبقى مهمة في الخطوط الأمامية بالمعركة، لقدراتها الهجومية الكبيرة”.

وكشف محرر الشؤون العسكرية في إيكونوميست أنه تحدث مع جنرالات في الجيش الأوكراني “وجميعهم أكدوا أنه يتم التحضير لعملية كبرى بحلول فصل الربيع، لكن من غير المعروف حتى الآن مكانها أو الجبهات التي سوف تستهدفها، لأن هذا مرتبط بسير المعارك الدائرة حاليا”.

مؤشر ضعف

وصف باسكال بونيفاص، مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية “إيريس” (IRIS)، استدعاء مجموعة فاغنر بأنه “دليل ضعف القوات الروسية، ومؤشر على أن بوتين بات مقتنعا بأنه يحتاج إلى مزيد من القوات، بعد عجز الجيش عن تحقيق أي نصر حقيقي”، مشيرا في الوقت ذاته إلى كون استدعاء المرتزقة أو “الجيوش الخاصة ليست جديدة، إذ سبق للولايات المتحدة أن استعانت بالمرتزقة في العراق وأفغانستان”.

وأكد الخبير الإستراتيجي، أن”مجموعة فاغنر لن تحقق أي نصر حاسم في المعركة، لكنها سوف تحقق بعض الانتصارات المحلية والمحدودة جغرافيا، لأن طريقة قتال هذه المجموعة تمكنها من القيام بعمليات خاصة في وقت وجيز، إلا أنها ليست مستعدة لخوض معارك كبرى لمدة طويلة”.

وفسر مدير معهد “إيريس” لجوء الرئيس الروسي لقوات فاغنر بأن “بوتين بحث عن الإعلان عن أي انتصار والحفاظ على الأراضي التي سبق السيطرة عليها، لكن من المستحيل على روسيا السيطرة على مزيد من الأراضي، وهذا ما يجعل الرئيس الروسي في وضع محرج، لأنه يحتاج إلى نصر يقدمه للرأي العام، خصوصا بالنظر للخسائر التي تكبدها الجيش الروسي”.

وبلغة متشائمة، استبعد بونيفاص أي نهاية وشيكة للحرب في أوكرانيا، مشيرا إلى أن “هذا الأمر مستحيل، ما لم يتم تغيير النظام في روسيا، وهذا أمر مستبعد، ولهذا فلن تحقق روسيا أي انتصار في هذه الحرب، كما أن أوكرانيا لن تكون قادرة على استعادة كل الأراضي رغم الدعم الغربي، لأن أعداد الجنود الأوكرانيين تبقى أقل من الجيش الروسي، حتى وإن كانت قواته منهكة وتكبدت خسائر كبيرة”.

https://anbaaexpress.ma/qvxnz

فهيم الصوراني

خبير في الشؤون الروسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى