
الدولة المواطنة، تنتج مجتمعا وطنيا و مواطنا وطنيا و نخبا مواطنة و كذلك هياكل اقتصادية ذات بعد اجتماعي، غير ريعية و لا منفعية و لا إحتكارية، تنهض بأركان الدولة و تساهم في السلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي و الاجتماعي للوطن و المواطنين.
عندما تتحول الشركات الكبرى إلى شركات ربحية أكثر و لا تراعي مصلحة الوطن والمواطن و الظروف الصعبة، نظرا للظرفية المؤقتة التي يمر بها العالم، كتداعيات الأزمة الأوكرانية و ما نتج عنها من إرتفاع صاروخي لأسعار الوقود و غيرها من المواد الغذائية و خصوصا الحبوب و كذلك الصعوبات اللوجستية في التزود بالمواد الأولية و غيرها من المواد الاستهلاكية.
كل هذا أدى إلى حدوث خلل كبير و تسابق مجنون على هذه المواد أدى إلى خلق فوضى في الأسواق العالمية و المحلية،و بالتالي ارتفاع كل مشتقات المواد النفطية و المواد الغذائية بنسبة كبيرة يمكن أن نقول بأنها خيالية.
لكن ذلك لم يكن له تأثير كبير في الدول المحصنة إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و هيكليا، لأن بها شركات مواطنة و وطنية، تراعي الجانب الاجتماعي و الأمني أكثر.
و هنا أتحدث عن الدول الأوروبية، التي وضعت خطة محكمة و إستعجالية لتفادي تداعيات الأزمة الأوكرانية، إقتصاديا و إجتماعيا و حتى سياسيا.
لكن في دول الجنوب، حيث نلمس غياب الدولة المواطنة و الوطنية و غياب نخب سياسية وطنية و مواطنة و شركات وطنية و مواطنة، كانت لتداعيات الأزمة الأوكرانية الأثر الواضح و الكبير، إقتصاديا و إجتماعيا و النتيجة، مزيد من الهشاشة و الفقر و مآسي اجتماعية، مما قد ينبئ بانفجار شعبي تلقائي أو ثورة جياع.
في غياب شركات إقتصادية ذات بعد إجتماعي و ملتزمة بالمساهمة في السلم والأمن والاستقرار السياسي و الاجتماعي للوطن، و غايتها الأولى إجتماعية بالأساس، لا ربحية ولا استغلالية، لا يمكننا الحديث عن أي وطنية.
لأن الوطنية، هي العطاء بلا حدود عندما يتعلق الأمر بالوطن و بالمواطن.
نسمع دائما بأنه يجب على المواطن أن يتحلى بروح الوطنية، و أن يبذل قصارى جهده من أجل ذلك، و يكون صبورا و يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي و الأمن لوطنه و لو على حساب آماله و أمانيه و نفسه إن تطلب الأمر ذلك.
على المواطن أن يكون وطنيا و مواطنا صالحا و مستعدا لتقديم الغالي و النفيس من أجل ذلك.
لكن في الظروف الصعبة و القاسية، ألا يبدو غريبا أن نطلب من المواطن كل شيء، دون أن تسعى الدولة نفسها لأن تكون دولة مواطنة هي كذلك، و تنظر بعين الرأفة إلى مواطنيها.
أليس من العدل في ظروف كهذه، حيث يكتوي المواطن من إرتفاع صاروخي في الأسعار أن تكون الدولة و الوطن أرحم بهؤلاء المواطنين الوطنيين و أن تذهب الدولة على سبيل المثال إلى إلغاء الضريبة على القيمة المضافة على كل المنتجات الأساسية و الغذائية والدوائية لسنة واحدة، للتخفيف من معاناة المواطنين و المواطن الوطني، كبادرة على وطنية الدولة و الوطن إتجاه المواطن.