ثقافةمغاربة العالم

حصري أنباء إكسبريس.. المفكر محمد الشيخ محاضرا في جامعة توبنغن بألمانيا

هل نحن بحاجة إلى إعادة قراءة فلاسفة العرب في العصر الوسيط؟

بدعوة من جامعة توبنغن بألمانيا، ألقى المفكر د. محمد الشيخ، رئيس شعبة الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وصاحب كتاب الحكمة العربية، يوم الخميس 26 يناير محاضرة في موضوع الحاجة إلى إعادة قراءة فلاسفة العرب في العصر الوسيط، حضرتها طائفة من أهل الفلسفة والدراسات الإستشراقية والدراسات اللاهوتية والدراسات الإسلامية.

ويعتبر المفكر والباحث الأكاديمي الكبير د. محمد الشيخ، من أبرز المتخصصين المغاربة في فلسفة الحداثة وما بعد الحداثة، وصاحب المؤلفات المتميزة، مثل نقد الحداثة في فكر نيتشه، ونقد الحداثة في فكر هيدغر..

وقد استهل الباحث محاضرته بالتذكير بمكانة ابن سينا في الفلسفة الإسلامية وبالتجربة الذهنية التي كان قد تميز بالدعوة إليها إثباتا لوعي الشخص بذاته، وهي التجربة المعروفة باسم “تجربة الإنسان الطائر”، ومفادها ما يلي: “لو توهمتَ أن ذاتك قد خُلقت أول خلقها صحيحة العقل والهيئة، وفُرض أنها على جملة من الوضع والهيئة لا تبصر أجزاءها ولا تتلامس أعضاؤها، بل هي منفرجة ومعلقة لحظة ما في هواء طلق، وجدتَها قد غفلت عن كل شي‌ء إلا عن ثبوت إنيتها”.

وقد عقّب المحاضر بأن إبن سينا ما كان ليعلم، وهو يسوق مثاله هذا، أن هذا المثال سوف يصير، بعد قرون، بمثابة إستعارة تعبر عن صورة الفيلسوف العربي الكلاسيكي في أذهان الكثير من الباحثين: إنسان معلق أو طائر في سماء المجردات الميتافيزيقية وقد ذهل كل الذهول عن وجوده الحسي والوجداني والإجتماعي.

بعد ذلك أحصى المحاضر ما سماه “الدعاوى المكرَّسة” عن الفلاسفة العرب والفلسفة العربية، فوجدها تتصنف صنفين: دعاوى تتعلق بالشكل، وأخرى تختص بالمحتوى.

من جهة الشكل، ثمة دعوى تقول إن فلاسفة العرب والإسلام يكادون ينحصرون في ستة: ثلاثة من المشارقة، “الكندي والفارابي وابن سينا”، وثلاثة من المغاربة، “إبن باجه وإبن طفيل وإبن رشد”، ولهؤلاء الستة نصوص كأنها بمثابة الصحاح عند أهل الحديث لا يرومون عنها عوجا، وغيرهم من الفلاسفة، الذين ذكر المحاضر أنهم يزيدون عن المائتين ونصف، ما كانوا على شيء.

تليها في المرتبة دعوى التمييز في نصوص هؤلاء الفلاسفة بين “النصوص الكبرى” و”النصوص الصغرى”، مع تقصد تلك واطراح هذه، وذلك شأن تفضيل الرسالة في الفلسفة الأولى على الرسالة في الحيلة لدفع الأحزان “وكلاهما للكندي”.

تأتي أخيرا الدعوى التي تقول إن فلاسفة الإسلام إما كانوا “أفلاطونيين” أو “أرسطيين” أو مزجوا بين المذهبين، ولم يوجد بينهم قط “فلاسفة طبيعيون”، شأن “إبن الأشعث” أو “مستقلون”، شأن التوحيدي، هذا وقد سعى محمد الشيخ إلى تفنيد هذه الدعاوى دعوى دعوى، موردا ضد الدعاوى دعاوى مضادة.

ومن جهة الفحوى، وقف المحاضر على صورتين جوهريتين للفيلسوف العربي: صورة الفيلسوف الخائض في الميتافيزيقيات لا يرى عن الخوض فيها محيدا، وصورة الفيلسوف الغائص في اللاهوتيات لا يروم عنها فتيلا.

إذ يشاع أن الفيلسوف العربي، بالأولى، فيلسوف ميتافيزيقي، بالمعنى السلبي للفظ “ميتافيزيقا”، لا يطرح أسئلته الفلسفية بدءا من وضع عياني معيش، وإنما يَبسطها انطلاقا من “ميتافيزيقا الآخرين” وهو، بالأحرى، فيلسوف لاهوتي همه الأكبر أن يسوّغ الشر الحادث في العالم، وأن يضحي بالإنسان إنقاذا لفكرة الإله المدبر من الإنهيار.

وكلا الصورتين مغلوط، في تصور محمد الشيخ، الذي أورد فصولا من الفلسفة العربية الإسلامية في مواضيع من الحياة المعيشة، نظير المحبة واللذة والصداقة والوحدة والعزلة، كما أورد مواقف لفلاسفة العرب والإسلام معادية للاهوت لا يتصور أن فلاسفة العرب خاضوا فيها، مثيل تفضيل العدم الأصلي والاسترسال إلى الموت والقول في الانتحار.

وهكذا، لئن كان الملا صدرا الشيرازي قد قال في مدح الوجود وذم العدم: “إنك قد علمت أن الوجــود كله خير ومؤثر ولذيذ، ومقابله ـ وهو العدم ـ شر وكريه ومهروب عنه”، وكان ابن كمونة قد ذهب إلى القول بأن: “الشعور بالوجود لذيذ، لكنه ألذ عندما يكون خالصا من غواشي المادة”، فإن هذا الأمر ما منع بعض أهل الفلسفة في الإسلام، شأن فخر الدين الرازي، من أن يعيد طرح التساؤل: “هذه الحياة، هل هي طيبة لذيذة في نفسها، أو ليست كذلك؟” وأن يصرخ في وجه مادحي الوجود والمحتفين به المستلذين له المستطيبين: “ليتنا بقينا على العدم الأول! وليتنا ما شاهدنا هذا العالم!”

وقد ختم محمد الشيخ محاضرته بالقول: لَئِنْ كان طالما قيل “البناء عسير والهدم يسير”، فإن من حقنا أن نتساءل: ألا يعد الهدم أحيانا أعسر من البناء نفسه؟ ههنا تقليد في النظر إلى فلاسفة العرب تشكل في قرون وترسخ في قرون، بحيث صارت تحتاج إعادة النظر فيه إلى أمد طويل، وذلك لا حبا في الهدم من أجل الهدم نفسه، ولا لهاثا وراء أشكال الهدميات المعاصرة، وإنما طلبا للإنصاف والانتصاف والنصفة.

من ثمرات هذه المحاضرة الأولى أَنْ فعلت فعلها وأثرها السريع في نفوس القائمين على الشأن الفلسفي في هذه الجامعة الألمانية، حيث اقترح رئيس فريق البحث في الفلسفة العابرة للثقافات ـ البروفيسور نيلس فايسمان ـ تأسيس فريق خاص للبحث في الفلسفة العربية يشكل لأول مرة في تاريخ هذه الجامعة العريقة.

https://anbaaexpress.ma/wk04o

تعليق واحد

  1. يا ليت ذلك يحصل، فريق يبحث في الفلسفة العربية، ليخرج لنا اللألئ الكامنة فيها، فهناك دول عربية كثيرة ما زالت تحرم تدريسها، ونسي هؤلاء أنها بداية تشكيل العقل النقدي البناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى